الهمداني ليستحضرا المختار إلى الأمير ، فذهبا إليه فإذا على باب داره أصحابه وفي داره منهم جمع كثير ، ودخلا إليه وقالا له : أجب الأمير ، فأمر بإسراج فرسه ودعا بثيابه ليذهب معهما ، فلمّا رأى ذلك زائدة قرأ قول الله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ...)(١) وكان المختار قد لبس ثيابه فألقاها وجلس وقال : إنّي لأجد قفقفة (رجفة) شديدة ما أراني إلّا قد وعكت ألقوا عليّ القطيفة! وارجعا أنتما إلى ابن مطيع (كذا بدون لقب الأمير) فأعلماه حالي التي أنا عليها. قالا : فأقبلنا إلى ابن مطيع فأخبرناه بشكواه وعلّته فصدّقنا ، ولها عنه (٢).
حنفيّ يتحرّى إذن ابن الحنفية :
في منزل سعر بن أبي سعر الحنفي التميمي اجتمع جمع من أشرافهم منهم عظيم الشرف عبد الرحمان بن شريح الشبامي الهمداني ، والأسود بن جراد الكندي وسعيد بن منقذ الثوري وقدامة بن مالك الجشمي ، وتقدّم مقدّمهم الشبامي الهمداني فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّ المختار يريد أن يخرج بنا ، وقد بايعناه ولا ندري أرسله إلينا ابن الحنفية أم لا؟ فانهضوا بنا إلى ابن الحنفية لنخبره بما قدم به علينا وبما دعانا إليه ، فإن رخّص لنا في اتّباعه اتّبعناه ، وإن نهانا عنه اجتنبناه ، فو الله ما ينبغي أن يكون شيء من أمر الدنيا آثر عندنا من سلامة ديننا!
قالوا له : أرشدك الله! فقد أصبت ووفّقت ، اخرج بنا إذا شئت. فأجمع رأيهم أن يخرجوا في تلك الأيام (أيام موسم الحج) وخرجوا حتّى قدموا على
__________________
(١) الأنفال : ٣٠.
(٢) تاريخ الطبري ٦ : ١١ ـ ١٢.