عهد الله وميثاقه أن أجعل سعر الحنطة عندكم كسعر الحنطة عندنا (في الشام) وكان عمرو بن سعيد قد أخذ عطاءهم واشترى به لنفسه عبيدا فقال لهم : وأمّا العطاء الذي ذهب به عمرو بن سعيد فعليّ أن أخرجه لكم!
فقالوا له : لقد خلعنا يزيد كما خلع نعالنا أو عمائمنا (١).
فقال لهم : يا أهل المدينة ؛ إنّ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية! يزعم أنكم الأهل ، فأنا أكره إهراق دمائكم (ولذا) فإنّي اؤجّلكم ثلاثا ، فمن ارعوى وراجع الحقّ قبلنا منه ، وانصرفت عنكم إلى هذا الملحد الذي بمكّة! وإن أبيتم كنّا قد أعذرنا إليكم!
ولمّا مضت الأيام الثلاثة ناداهم : يا أهل المدينة ؛ قد مضت الأيّام الثلاثة فما تصنعون؟ أتسالمون أم تحاربون؟ قالوا : بل نحارب! قال : بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدّنا وشوكتنا على هذا الملحد الذي قد جمع إليه المرّاق والفسّاق من كلّ أوب!
فقالوا لهم : يا أعداء الله ، والله لو أردتم أن تجوزوا إليهم ما تركناكم حتّى نقاتلكم ، أنحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام وتخيفوا أهله وتلحدوا فيه وتستحلّوا حرمته! لا والله لا نفعل (٢)!
قتال يوم الحرّة :
فأقبل مسلم المرّي من الحرّة بجمعه إلى طريق العراق حتّى ضرب فسطاطه هناك ، ثمّ أوقف خمسمئة من حاملي الأسنّة الرجّالة دونه ، وكان له غلام روميّ شجاع كان صاحب رايته. ووجّه بخيله نحو ابن حنظلة ، فحمل ابن حنظلة
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١٠.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٨٧ عن الكلبي ، عن أبي مخنف.