وجمع عبد الله بن حنظلة أهل المدينة عند المنبر فقال لهم : تبايعوني على الموت! وإلّا فلا حاجة في بيعتكم! فبايعوه على الموت ، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لهم : أيّها الناس ، إنّكم إنّما خرجتم غضبا لدينكم ، فأبلوا إلى الله بلاء حسنا ليوجب لكم به جنّته ومغفرته ، ويحلّ بكم رضوانه. واستعدوا بأحسن عدتكم ، وتأهّبوا بأكمل اهبتكم ، فقد اخبرت أنّ القوم قد نزلوا بذي خشب ومعهم مروان بن الحكم ، والله إن شاء مهلكه بنقضه العهد والميثاق (ما أعطاه) عند منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله. فتصايح الناس بسبّه والنيل منه. فرفع عبد الله يديه إلى السماء وقال : اللهمّ إنّا بك واثقون وعليك متوكّلون ، وإليك ألجأنا ظهورنا! ونزل. وكان صائما ولا يزيد على شربة من سويق يفطر عليها إلى مثلها في غد ، ولا يبيت إلّا في المسجد الشريف (١).
وقعة الحرّة :
ولما انتهى الجيش إلى المدينة عسكر بالحرّة (٢) وخرج أهلها لحربه وعليهم عبد الله بن حنظلة الأنصاري الأوسي (على الأنصار) وعبد الله بن المطيع العدوي القرشي (على قريش) (٣).
فلمّا نزل مسلم المرّي أرسل إلى أهل المدينة قال لهم : إنّ أمير المؤمنين! يقرأ عليكم السلام ويقول لكم :
أنتم الأهل والعشيرة ، فاتّقوا الله واسمعوا وأطيعوا ، فإنّ لكم عندي في عهد الله وميثاقه عطاءين في كلّ سنة : عطاء في الصيف وعطاء في الشتاء! ولكم عندي
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ٢١٠ ـ ٢١١.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ٢١١ وصحّف بالجرف!
(٣) مروج الذهب ٣ : ٦٩.