وخرج بنو أميّة بأثقالهم حتّى انتهوا إلى وادي القرى قرب خيبر في طريق الشام فالتقوا بجيش مسلم المرّي ، وسمع أنّ فيهم عمرو بن عثمان بن عفّان فدعا به أوّل الناس وقال له : أخبرني خبر ما وراءك وأشر عليّ. فقال عمرو : لقد أخذ علينا العهود والمواثيق أن لا ندلّ على عورة ولا نظاهر عدوّا! فقال المرّي : والله لو لا أنّك ابن عثمان لضربت عنقك! وأيم الله لا أقيلها بعدك قرشيّا! وانتهره! فخرج إلى أصحابه وأخبرهم بما لقي عنده.
فدخل عليه عبد الملك بن مروان فقال له : أخبرني خبر الناس وكيف ترى؟ فقال له : أرى أن تسير بمن معك حتّى إذا انتهيت إلى أدنى نخل للمدينة نزلت ، حتّى إذا أصبحت وصلّيت مضيت وتركت المدينة على يسارك ودرت حولها إلى الحرّة في مشرقها فتستدبر المشرق وتستقبل القوم فتشرق الشمس عليهم وبين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم ، وتقع في وجوههم فيؤذيهم حرّها وأذاها ، وما دمتم مشرّقين فهم يرون من بيضكم وحرابكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم وسواعدكم ما لا ترونه أنتم من شيء من سلاحهم ماداموا مغرّبين!
ثمّ دخل عليه مروان فأقنعه بولده عبد الملك واقتنع به (١). هذا ما رواه الطبري ، وزاد ابن قتيبة ، قال :
قال له مروان : عددهم أكثر من الجيش الذي جئت به ولكن فيهم قوم قليل لهم نية وبصيرة وعامّتهم ليس لهم نيّات ولا بصائر ، ولا بقاء لهم مع السيف ، وليس لهم سلاح ولا كراع ، ولكنّهم قد خندقوا عليهم وحصّنوا! فقال مسلم : ولكنّا نردم عليهم خندقهم ونقطع عنهم مشربهم! فلم يرجع منهم مع مسلم غير مروان وابنه عبد الملك ، وكان قد أصابه الجدري فخلّفه بذي خشب.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٨٥ ـ ٤٨٦ عن الكلبي ، عن الأزدي ، عن ابن كرّة الأموي.