الحسين عليهالسلام في المسجد :
جاء في الخبر السابق عن أبي مخنف : أنّ ابن الزبير لما علم من الحسين عليهالسلام أنّه لا ينكل عن المثول عند الوليد قال له : فإنّي أخافه عليك! قال عليهالسلام : آتيه وأنا قادر على الامتناع منه بفتياني عند الباب. فلسان ابن الزبير هذا ترجمان عن نفسه أنّه لا يأمن من الحضور عند الأمير الأموي ، وكذلك كان ، فلقد جاء في تمام الخبر : أنّ ابن الزبير أيضا قال للرسول : انصرف والآن نأتيه ، إلّا أنّه أتى داره ولم يذهب إليه ، ولمّا أصبح انشغل الوليد عن الحسين عليهالسلام بطلب ابن الزبير وأخذ يلحّ عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال ، وبعث الوليد إليه مواليه فصاحوا به : يابن الكاهلية ؛ والله لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك! فقال : لا تعجلوني حتى أبعث إلى الأمير من يأتيني بأمره ورأيه! ثمّ بعث إليه أخاه جعفر بن الزبير يسأله أن يؤجّله إلى غد ، فأمهله ، فخرج هو وأخوه جعفر في جوف الليل من طريق الفرع إلى مكّة. فسرّح الوليد في طلبه ثمانين راكبا فلم يعثروا عليه فرجعوا.
وفي صبيحة جلسة الوليد وحين انشغالهم بابن الزبير ، خرج الحسين عليهالسلام بين رجلين إلى المسجد النبويّ الشريف ، فسمعه المولى أبو سعيد كيسان المقبري المدني ، يتمثّل ببيتين ليزيد بن المفرّغ مولى حمير يقول :
لا ذعرت السّوام في فلق الصب |
|
ـ ح مغيرا ولا دعيت يزيدا |
يوم اعطي من المهابة ضيما |
|
والمنايا يرصدنني أن أحيدا (١) |
قال المقبري : فقلت في نفسي : والله ما تمثّل بهذين البيتين إلّا لشيء يريده ، فما مكث إلّا يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة (٢).
__________________
(١) أي : لا اريد أن أبقى حيّا أسوق السوائم صباحا وادعى باسمي يزيد ، إذا ما اعطى من نفسي ضيما من خوف عدوّي ، في حين أنّ منيّة الموت تراقبني أن أموت فأحيد عن الضيم.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٣٤٢ عن أبي مخنف ، وأنساب الأشراف ٣ : ١٦٠ ، الحديث ١٦٨.