بيان سليمان الخزاعي :
فلمّا ولّوا عليهم سليمان بن صرد تكلّم فقال : «أثني على الله خيرا وأحمد آلاءه وبلاءه ، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسوله. أمّا بعد ؛ فإنّي والله لخائف أن لا يكون آخرنا (آخر أمرنا) في هذا العصر ـ الذي نكدت فيه المعيشة ، وعظمت فيه الرزية ، وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة ـ إلى ما هو خير! فإنّا كنّا نمدّ أعناقنا إلى قدوم «آل نبيّنا» ونمنّيهم النصر ، ونحثّهم على القدوم ، فلمّا قدموا ونينا وعجزنا! وادّهنّا وتربّصنا وانتظرنا ما يكون! حتّى قتل فينا ولد نبيّنا وسلالته وعصارته! وبضعة من لحمه ودمه! إذ جعل يستصرخ فلا يصرخ ويسأل النصف فلا يعطاه! اتّخذه الفاسقون غرضا للنّبل ، ودريئة للرماح حتّى أقصدوه ، وعدوا عليه فسلبوه (١).
ألا فانهضوا! فقد سخط ربّكم! ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتّى يرضى الله! وما أظنه راضيا دون أن تناجزوا من قتله أو تبيدوا! ألا لا تهابوا الموت! فو الله ما هابه امرؤ قط إلّا ذلّ! كونوا كالألى من بني إسرائيل إذ قال لهم نبيّهم : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ)(٢) فما فعل القوم؟ جثوا على الركب ومدّوا الأعناق ، ورضوا بالقضاء حين علموا أنّه لا ينجيهم من عظيم الذنب إلّا الصبر على القتل! فكيف بكم لو قد دعيتم إلى مثل ما دعوا إليه؟! اشحذوا السيوف وركّبوا الأسنة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ)(٣) حتّى تدعوا حين تدعون وتستنفرون».
__________________
(١) ولم يتكلّم بسلب بناته ونسائه وسبيهن!
(٢) البقرة : ٥٤.
(٣) الأنفال : ٦٠.