عمرو بن الحمق ، وحماقة معاوية :
قال اليعقوبي : إنّ زيادا لمّا وجّه صاحب شرطه إلى أصحاب حجر ، كان منهم عمرو بن الحمق فهرب وعدّة معه إلى الموصل ، وبقي معه رفاعة بن شدّاد البجلي. وارتهن زياد امرأة عمرو فحبسها ثمّ أرسلها إلى دمشق فحبسها معاوية ، فكان أول من حبس النساء بجرائر الرجال في الإسلام!
وكان عامله على الموصل عبد الرحمن بن أمّ الحكم الثقفي ابن اخت معاوية ، وبلغه مكان عمرو ورفاعة فوجّه في طلبهما ، وكان عمرو قد مرض وقد اشتدّت علّته ، وخرجا هاربين فلدغته حيّة ، وكان ممّن أدرك رسول الله وسمع حديثه فقال : الله أكبر! لقد قال لي رسول الله : «يا عمرو ليشترك في قتلك الإنس والجن» فامض لشأنك فإنّي مأخوذ مقتول. وكان رفاعة شابّا شديدا فهرب ، ولحق القوم عمرا فأخذوه وقتلوه وطافوا برأسه على رمح ، فكان أوّل رأس طيف به في الإسلام. وأرسله عبد الرحمن إلى زياد فأرسله إلى معاوية ، فلمّا أتاه رأسه بعث به إلى امرأته في السجن! فقالت للرسول : أبلغ معاوية ما أقول : طالبه الله بدمه ، وعجّل له نقمه ، فقد أتى أمرا فريّا وقتل برّا تقيّا (١)!
ولم يذكر اليعقوبي مدّة حبسها وتواري زوجها الصحابيّ الجليل ، ويظهر من خبر ابن طيفور الخراساني البغدادي عن الزهري : أنه حبسها في سجن دمشق سنتين حتى ظفر عبد الرحمن بعمرو في بعض أرض الجزيرة ، فلمّا قتله وأرسل برأسه قال معاوية للحرسي : اطرح الرأس في حجرها ثمّ احفظ ما تتكلّم به حتّى تؤدّيه إليّ : ففعل هذا ، فارتاعت له ساعة ثمّ وضعت يدها على رأسها وصاحت : وا حزنا لصغار في دار هوان ؛ وضيق من ضيم سلطان! نفيتموه عنّي طويلا ،
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣١ و ٢٣٢. وكان عمره يوم قتل ثمانين عاما ، كما في «أسد الغابة».