الإمام وأصحابه ليلة عاشوراء :
ثمّ خرج الإمام عليهالسلام إلى أصحابه فأمرهم أن يقلعوا الخيم ويقرّبوا بعضها من بعض حتّى تتداخل أطناب بعضها في بعض ويجعلوا موقفهم بينها من وجه عدوهم.
وأن يجمعوا ما أمكنهم من حطب وقصب إلى ماورائهم ، وكان وراءهم مكان منخفض كساقية ، فأمرهم أن يحفروه في ساعة من الليل حتّى يجعلوه كالخندق ، ثمّ يلقوا فيه ذلك الحطب والقصب ، حتّى إذا عدا عليهم الأعداء يلقون فيه النار كي لا يؤتوا من ورائهم ويقاتلوا القوم من وجه واحد (١).
ثمّ قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون ، ويقرؤون القرآن.
وكان ابن سعد قد جعل عليهم خيلا تحرسهم (لئلّا يفرّوا!) وارتفع صوت الإمام عليهالسلام بهذه الآيات : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ...)(٢) وكان صوته عاليا بحيث يسمعه القوم ، فسمعه منهم أبو حرب عبد الله بن شهر الهمداني السبيعي وكان بطّالا فاتكا مضحاكا حتّى أنّه حبس سابقا في جناية ، فرفع صوته قائلا : نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميّزنا منكم!
وحيث كان من همدان عرفه الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني فعرّفه لابن عمّه برير بن حضير الهمداني ـ وكان التحق بالإمام عليهالسلام من الكوفة بلا خبر في
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٢٢ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٩٤.
(٢) آل عمران : ١٧٨ ـ ١٧٩.