كلام أبيه وعرف ما أراد وعلم أنّ البلاء قد نزل! وخنقته عبرته ولكنّه ردّها ولزم السكون.
قال : فأمّا عمّتي فإنّها ـ وهي امرأة وفي النساء الرقّة والجزع ـ لمّا سمعت ما سمعت لم تملك نفسها دون أن وثبت إليه تجرّ ثوبها حتّى انتهت إليه (في خيمته ، ولعل المولى خرج) فنادت : وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة امّي! وعليّ أبي ، وحسن أخي ، يا خليفة الماضي وثمال الباقي!
فقال لها الحسين عليهالسلام : يا اخيّة! لا يذهبنّ بحلمك الشيطان!
فقالت : بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله! استقتلت نفسي فداك!
فقال لها : «لو ترك القطا لنام»!
فقالت : يا ويلتى! أفتغصب نفسك اغتصابا! فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي!
ولطمت وجهها! وأهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشيا عليها!
فقام إليها الحسين عليهالسلام فصبّ على وجهها الماء (كذا (١) ولمّا أفاقت) قال لها :
يا اخيّة! اتّقي الله! وتعزّي بعزاء الله! واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون ، وأنّ أهل السماء لا يبقون ، وأنّ كلّ شيء هالك إلّا وجه الله ، الذي خلق الأرض بقدرته ويبعث الخلق فيعودون وهو فرد وحده. أبي خير منّي وأمّي خير منّي ، وأخي خير منّي ، ولي ولكلّ مسلم برسول الله اسوة! يا اخيّة! إنّي اقسم عليك فأبرّي قسمي : لا تشقّي عليّ جيبا! ولا تخمشي عليّ وجها! ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت! ثمّ (أخذ بيدها) وجاء بها حتّى أجلسها عندي (٢).
__________________
(١) ولعلّه كان من آخر ما ادّخروه من العشرين قربة التي استقوها ليلة السابع ، ادّخروه للضرورات القصوى.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٢٠ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٩٣ ـ ٩٤.