فقال ابن عقيل : أما لو لم تؤمّنوني ما وضعت يدي في أيديكم! فعلموا أنه استسلم. فدنوا منه وانتزعوا منه سيفه وأتوه ببغلة فحملوه عليها ، فدمعت عيناه وقال : هذا أوّل الغدر! يعني نزعه سيفه. فقال ابن الأشعث : أرجو أن لا يكون عليك بأس! فقال : ما هو إلّا الرجاء! فأين أمانكم؟! واسترجع وبكى. فقال له أميرهم السّلمي : إن من جاء يطلب مثل الذي تطلب لا يبكي إذا نزل به مثل الذي نزل بك!
فأجابه مسلم : إني وإن كنت لم أحبّ لنفسي تلفا طرفة عين ، ولكنّي والله ما لها أبكي ولا لها من القتل أرثي ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ! أبكي لحسين وآل حسين!
ثمّ التفت عن السّلمي إلى ابن الأشعث فقال له : يا عبد الله ، إنّي ـ والله ـ أراك ستعجز عن أماني! فهل عندك خير؟ إني لا أرى حسينا إلّا قد خرج هو وأهل بيته مقبلا إليكم اليوم أو هو خارج إليكم غدا! وإنّ ما ترى من جزعي لذلك! فهل تستطيع أن تبعث من عندك رجلا يبلّغ حسينا عن لساني فيقول له : إنّ ابن عقيل بعثني إليك ـ وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أن يمسي حتّى يقتل ـ وهو يقول لك : ارجع بأهل بيتك! ولا يغرّك أهل الكوفة! فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل! إنّ أهل الكوفة كذبوك وكذبوني ، وليس لمكذّب رأي!
فقال له ابن الأشعث : والله لأفعلن ذلك ، ولأعلمنّ ابن زياد أني قد أمّنتك (١).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٧٣ ـ ٣٧٥ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٥٧ ـ ٦٠.