وكان يعلم ابن زياد أنّ كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل ابن عقيل فلم يبعث معه من كندة ، بل بعث صاحبه الشامي بكير بن حمران الأحمري إلى صاحب رايته عمرو بن حريث : أن ابعث مع ابن الأشعث سبعين رجلا من قيس! فدعا عمرو المخزومي بعمرو السلمي وبعث معه بسبعين فارسا من قيس مع ابن الأشعث إلى دار مولاتهم طوعة التي فيها ابن عقيل ، ومعهم بكير الأحمري الشامي.
فلمّا قربوا منه سمع وقع الخيل وأصوات الرجال فعرف أنّهم أتوه واقتحموا الدار عليه ، فخرج إليهم بسيفه وشدّ عليهم حتى أخرجهم منه ، وعادوا إليه فشدّ عليهم كذلك. فشدّ عليه بكير الأحمري بسيفه على وجهه فقطع شفته وثناياه العليا ، وضربه مسلم على رأسه وأخرى على حبل عاتقه فجرحتاه ولم يقتل. وأشرفوا على مسلم من فوق البيوت يلهبون النار في أحزمة القصب ويرمونه بها وبالحجارة! فخرج بسيفه إلى السكّة. فناداه ابن الأشعث : يا فتى! لك الأمان لا تقتل نفسك! فأجابهم مرتجزا :
أقسمت لا اقتل إلّا حرّا |
|
وإن رأيت الموت شيئا نكرا |
كل امرئ يوما ملاق شرّا |
|
ويخلط البارد سخنا مرّا |
ردّ شعاع النفس فاستقرّا (١) |
|
أخاف أن أخدع أو أغرّا |
فناداه ابن الأشعث : إنّك لا تكذب ولا تخدع ولا تغرّ! فإن القوم بنو عمّك! وليسوا بقاتليك ولا ضائريك! وكان يقاتل فعجز عن القتال مما اثخن جراحا بالحجارة! فأسند ظهره إلى حائط تلك الدار ، فدنا منه ابن الأشعث وكرّر عليه القول : لك الأمان! فقال مسلم : أنا آمن؟! قال : نعم وقال من معه : نعم أنت آمن!
__________________
(١) يعني كانت نفسه متبدّدة خوفا كالشعاع ثمّ ردت فاستقرت واطمأنت إلى الشهادة.