قال عمر : أما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكنّ أميرك قد أبى! فانصرف الحرّ عنه وعاد إلى موقفه ، وكان معه قرّة بن قيس التميمي من قوم الحرّ ، فسأله الحرّ : هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا ، فقال الحرّ : أما تريد أن تسقيه؟ فقال قرّة : لم أسقه وأنا منطلق فساقيه ، وابتعد عن الحرّ ، وإنّما ظنّ أنّ الحرّ يريد أن يتنحّى فلا يشهد قتال الحسين عليهالسلام فخاف أن يرفع تقريرا عليه!
ثمّ أخذ الحرّ يدنو من الحسين عليهالسلام قليلا قليلا وهو يرتجف! ورآه المهاجر بن أوس التميمي من قومه فسأله : يابن يزيد ماذا تريد؟ أتريد أن تحمل؟! فما أجابه ، فقال له : يابن يزيد ؛ والله إنّ أمرك لمريب! والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي : من أشجع رجل من أهل الكوفة لما عدوتك؟ فما هذا الذي أرى منك؟!
فأجابه الحرّ : والله إني اخيّر نفسي بين الجنة والنار! وو الله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت! ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليهالسلام.
فلمّا دنا منه وهو راكب فرسه شاك في السلاح لم يعرف ، وقال للإمام : يابن رسول الله ، جعلني الله فداك! أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع ، وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله الذي لا إله إلّا هو ما ظننت أبدا أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم ، ولا أن يبلغوا منك هذه المنزلة ، فقلت (حينئذ) في نفسي : لا ابالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم فلا يرون أنّي خرجت من طاعتهم ، وأما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، وو الله لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك.
وإنّي قد جئتك تائبا إلى ربّي ممّا كان منّي ، ومواسيا لك بنفسي حتّى أموت بين يديك! أفترى ذلك لي توبة!
فقال الإمام عليهالسلام : نعم يتوب الله عليك ويغفر لك. وحيث لم يعرّف بنفسه وكان شاكيا في السلاح ما عرف فسأله : ما اسمك؟ قال : أنا الحرّ بن يزيد!