خرج لوحده من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، فدخل بابه وأرسل إليه : أن اخرج إليّ ، بلا إعلام عن نفسه ، وخرج إليه هانئ وحين رآه وعرفه كره لجوءه إليه ؛ وقال له مسلم : أتيتك لتجيرني وتضيّفني! فقال له هانئ : رحمك الله! لقد كلّفتني شططا! ولكنّه كان قد دخل داره فعار عليه ـ عربيّا ـ أن يخرجه فقال له : ولو لا دخولك داري وثقتك لأحببت ولسألتك أن تخرج عنّي! غير أنّه يأخذني من ذلك ذمام! وليس (مقبولا عند الناس) أن يكون ردّ مثلي على مثلك عن جهل بك ، ادخل! فآواه (١) ومعه مرافقه عمارة بن عبيد السلولي (٢).
وكان أبو هانئ : عروة بن نمران أسلم ورأى النبيّ صلىاللهعليهوآله وسمع حديثه ، ثمّ صحب عليا عليهالسلام في حروبه الثلاثة ، ثمّ خرج مع حجر الكندي ، وكان زياد مصادقا له فشفع فيه وأطلقه ، وكان شيخ مراد ، وبعده كان ابنه هانئ شيخ مراد ، وكان منهم كثير بن شهاب المذحجي على بعض كور خراسان لمعاوية فاختان المال فطلبه معاوية فلجأ إلى هانئ ، فحمله معه إلى معاوية بالشام وشفع له فشفّعه فيه (٣) فلم يزل زياد يحسن صحبته ويوصي به خليفته على الكوفة ويكتب إليه : إنّ من حاجتي قبلك هانئ (٤).
وقد مرّ أن ابن زياد حمل معه من زعماء الشيعة بالبصرة : شريك بن الأعور الحارثي ، وأنّه تمارض ، بل مرض قبل القادسية رجاء أن يتريث له ابن زياد فيسبقه الحسين عليهالسلام إلى الكوفة ، فلم يلتفت إليه ومضى حيث امر (٥) وقدم شريك
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٦٢.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٣٦٣.
(٣) إبصار العين : ٨١ ـ ٨٢.
(٤) تاريخ الطبري ٥ : ٣٦١ عن النميري البصري.
(٥) تاريخ الطبري ٥ : ٣٥٩ عن أبي مخنف.