وكان من امراء التوّابين : عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وكأنّه كان حاضرا في خطبة الأنصاري ومتأثّرا بكلامه ، وأشار بذلك على سليمان الخزاعي وقبل منه ذلك سليمان وأجمع على المسير إلى ابن زياد. ولكنّه لعلّه لمّا رأى أنّ من حضر ممّن بايع لا يصل إلى ثلث العدد بدا له في ذلك ، فدخل مع بعض أصحابه على سليمان الخزاعي في معسكر النخيلة ورؤوس أصحابه جلوس عنده وحوله ، فقال له :
إنّي قد رأيت رأيا (جديدا) إن يكن صوابا فالله وفّق ، وإن لم يكن صوابا فمن قبلي ، وإنّي ما آلوكم ونفسي نصحا ، صوابا كان أو خطأ : إنّما خرجنا نطلب بدم الحسين ، وقتلة الحسين كلّهم بالكوفة ، منهم عمر بن سعد (١) ـ وكان في الأيام التي كان سليمان معسكرا بالنخيلة لا يبيت إلّا مع الأمير في قصر دار الإمارة! مخافة أن يأتيه القوم في داره وبيته وهو قايل لا يعلم فيقتل (٢) ـ ورؤوس الأرباع وأشراف القبائل ، فأنى نذهب هاهنا (إلى الشام) وندع الأوتار؟!
فأبى سليمان وقال : لكنّي ما أرى لكم ذلك ، فإنّ الذي عبّأ الجنود إلى صاحبكم (الحسين عليهالسلام) وقال : لا أمان له عندي حتّى يستسلم فأمضي فيه حكمي : هذا الفاسق ابن الفاسق : ابن مرجانة عبيد الله بن زياد ، فسيروا إلى عدوّكم على اسم الله ، فإن يظهركم الله عليه رجونا أن يكون من بعده أهون شوكة منه ، ورجونا أن يدين لكم من وراءكم من أهل مصركم في عافية! فتنظرون إلى كلّ من شرك في دم الحسين فتقاتلونه ولا تظلموا ، وإن تستشهدوا فإنّما قاتلتم المحلّين ، وما عند الله خير للأبرار والصدّيقين! والله لو قاتلتم غدا أهل مصركم
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٥٨٥ ـ ٥٨٦ عن أبي مخنف.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٥٨٧ عن أبي مخنف.