ألا وإنّ أميرالمؤمنين! أمرني بإعطائكم اُعطياتكم ، وإشخاصكم إلى محاربة عدوّكم مع المهلّب! وقد أمرتكم بذلك وأجّلت لكم ثلاثاً! وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به ويستوفيه منّي : أن لا أجد أحداً من بعث المهلّب بعدها إلّا ضربت عنقه وانتهبت ماله! يا غلام اقرأ عليهم كتاب أميرالمؤمنين!
فقرأ كاتبه : «بسم الله الرحمنِ الرحيم ، من عبدالله عبدالملك بن مروان أميرالمؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم» فلم يردّ عليه سلامه أحد ، فقال الحجّاج للغلام : اسكت يا غلام ، ثمّ قال : يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق! يا أهل الفرقة والضلال! يسلّم عليكم أميرالمؤمنين! فلا تردّون عليه السلام؟! أما والله لئن بقيت لكم لألحونّكم لحو العود ولاُؤدّبنّكم أدباً سوى هذا! ثمّ أمر غلامه باستئناف الكتاب فاستأنفه فلما بلغ السلام أجاب أهل المسجد ، وعلى أميرالمؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته! ثمّ نزل وأمر للنّاس باُعطياتهم وضرب على الناس بعثاً لنصرة المهلّب بن أبي صفرة الأزدي لحرب الأزارقة الخوارج بالبصرة والأهواز.
وفی الیوم الثالث استعرض الناس فعرف فیهم عُمير بن ضابي البُرجمي التميمي المشترك في قتل عثمان فقال له : أيّها الشيخ ، أنت الواثب على أميرالمؤمنين عثمان بعد قتله والكاسر ضلعاً من أضلاعه؟!
فقال : إنّه كان حبس أبي شيخاً كبيراً ضعيفاً فلم يطلقه حتّى مات في سجنه! فقال : أما والله إنّ في قتلك أيّها الشيخ لصلاح للمصرين ... قُم يا غلام فاضرب عنقه! ففعل.
فلمّا قُتل ركب الناس كلّ صعب وذلول وخرجوا على وجوههم إلى المهلّب الأزدي لنصرته على الأزارقة (١).
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ١٢٦ ـ ١٣٠.