قال : فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق ، فحبس في عسفان بين مكة والمدينة ، فجعل الفرزدق يهجو هشاما وممّا هجاه به قوله :
أيحسبني بين المدينة والتي |
|
إليها قلوب الناس يهوي منييها |
يقلّب رأسا لم يكن رأس سيد |
|
وعينا له حولاء باد عيوبها |
وبعث إليه علّي بن الحسين عليهالسلام باثني عشر ألف درهم وقال له : أعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به! فردّها وقال : يابن رسول الله! ما قلت الذي قلت إلّا غضبا لله ولرسوله! وما كنت لأقبل عليه أجرا! فردّها علّي بن الحسين عليهالسلام وعليه قال له : بحقّي عليك لمّا قبلتها! فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك! فقبلها الفرزدق. ولمّا بلغ هشاما أنّ الفرزدق يهجوه بعث إليه فأخرجه (١) خوف الفضيحة ، ولم يكن خليفة ولا وليا للعهد ليمكنه أن يفتك به ، ولعلّ الفرزدق وافق هوى في ذلك للخليفة الوليد فتجرّأ؟ على أخيه هشام.
وكأنه بلغ الوليد أن كثيرا من الحجّاج الذين لم يكترثوا لهشام ولكنّهم انفرجوا للسجّاد عليهالسلام إكراما هم من العراقيين الفارّين من جور الحجّاج ، فكتب اليعقوبي : أنّ الوليد كتب إلى عامله على الحجاز خالد بن عبد الله القسري يأمره بإخراج من بالحجاز من أهل العراقين وحملهم إلى الحجّاج بن يوسف! فنادى مناديه بمّكة والمدينة ـ وأكثرهم بها ـ : ألا برئت الذمّة ممن آوى عراقيّا! ثمّ بعث
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ١٢٩ ـ ١٣٢ ، الحديث ٢٠٧ ، ونشرت في ديوانه ٢ : ١٧٨ ، وبعد عشر سنين في (١٠٥) تولّى هشام فمدحه الفرزدق بأكثر من عشرة قصائد هي في ديوانه مع قصائد عديدة في مدح آبائه حتّى معاوية والحجّاج! فهو شاعرهم. ولعلّ الإمام السجّاد جاد عليه ليقرّبه إليه ويبعّده عنهم فلم يبتعد ، والله أعلم بمآله. نعم ، لا ينكر تشيّعه في باطن أمره لآل البيت ، ومنه تعلّم التشيع لهم ابن اخته الكميت بن زيد الأسدي البصري رحمهالله.