ثمّ انفصلوا من كربلاء نحو المدينة حتّى قربوا منها فنزلوا.
لم يعرف من الرجال الذين أرسلهم يزيد مع آل الحسين عليهالسلام ومع النعمان بن بشير الأنصاري المدني إلى المدينة ، وأمرهم بالرفق بهم وباتّباعهم للإمام السجاد عليهالسلام ، لم يعرف منهم سوى من سمّاه ابن طاووس ببشير بن حذام ، ويظهر من الخبر أنّه كان قد تقرّب إلى الإمام وعرّفه بنفسه وأنّ أباه كان شاعرا ، فهنا يقول : إنّ الإمام قال له : يا بشير ، رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على شيء منه؟ قال : بلى يابن رسول الله إنيّ لشاعر. فقال له : فادخل المدينة وانع أبا عبد الله عليهالسلام ويظهر أنّ أمير ذلك الخيل والنعمان الأنصاري لم يأبيا ذلك عليه ، فركب فرسه إلى المدينة حتّى بلغ المسجد النبويّ الشريف فرفع صوته قائلا :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها |
|
قتل الحسين! فأدمعي مدرار |
الجسم منه بكربلاء مضرّج |
|
والرأس منه على القناة يدار |
ويظهر أنه كرّر ذلك حتّى اجتمع الناس حوله فقال لهم : هذا عليّ بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم اعرّفكم مكانه. قال : فلم أر يوما أمرّ على المسلمين منه! ولم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم! وخرجن النساء يدعون بالويل والثبور ، ويضربن الخدود ويخمشن الوجوه ، وفيهنّ جواري نائحات ينحن على الحسين عليهالسلام. ثمّ عرّفهم مكان نزولهم ، فبادروه.
قال : فضربت فرسي ورجعت إليهم ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطّيتهم حتّى قربت من فسطاط عليّ بن الحسين عليهالسلام وكأنّهم كانوا قد تجهّزوا بكرسيّ معهم ، وبعض الموالي أو الخدم ، فخرج الإمام وهو يمسح دموعه بخرقة معه ، وخلفه خادم يحمل معه كرسيّا وضعه له فجلس عليه ، ولمّا رآه الناس ارتفعت أصواتهم بالبكاء ، وحنين النسوان