فسألني النزول عليّ فاستحييت من ردّه ودخلني من ذلك ذمام فأدخلته داري وآويته وضفته ، وقد كان من أمره الذي بلغك! فإن شئت أعطيتك الآن موثقا مغلّظا وما تطمئن إليه أن لا أبغيك سوءا ، وإن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك وأنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه وجواره! وآتيك. فقال ابن زياد : لا والله لا تفارقني حتّى تأتيني به! فقال هانئ : لا والله لا أجيئك به أبدا! أنا أجيئك بضيفي تقتله! قال ابن زياد : والله لتأتينّي به! قال هانئ : والله لا آتيك به!
وكان مسلم بن عمرو الباهلي البصري جالسا فقام وقال لابن زياد : أصلح الله الأمير خلّني وإيّاه حتى اكلّمه. وقال لهانئ : قم إلى هاهنا حتّى اكلّمك. فقام هانئ إليه فخلا به ناحية قريبة يراهما ابن زياد ويسمع صوتهما العالي ويخفى عليه الخافض ، فقال الباهلي لهانئ : يا هانئ! والله إني لأنفس بك على القتل! فانشدك الله أن تقتل نفسك وتدخل البلاء على قومك وعشيرتك! إنّ ابن عقيل ابن عمّ القوم! فليسوا قاتليه ولا ضائريه! فادفعه إليه! فإنّه ليس عليك مخزاة ولا منقصة! إنّما تدفعه إلى السلطان!
فقال هانئ : بلى والله! إنّ عليّ في ذلك للخزي والعار! أنا أدفع جاري وضيفي وأنا حيّ صحيح أسمع وأرى شديد الساعد كثير الأعوان! والله لو لم أكن إلّا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه إليه حتّى أموت دونه! وسمع ابن زياد ذلك فقال : أدنوه مني! فأدنوه منه. فقال له ابن زياد : والله لتأتينّي به أو لأضربنّ عنقك! قال : إذا تكثر (السيوف) البارقة حول دارك! قال ابن زياد : وا لهفاه عليك! أبالبارقة تخوّفني! أدنوه منّي! فادني ، فاستعرض وجهه بالقضيب! فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفه وسيّل الدماء على ثيابه ونثر لحم خدّيه وجبينه على لحيته وحتّى كسر القضيب! وكان قد أمسك به لابن زياد شرطته ومعهم سيوفهم ، فمدّ هانئ يده إلى قائم سيف شرطيّ منهم وجاذبه سيفه! فقال له