أقول : أمّا تردّدهما في تقدّمه على حقّ المرتهن فقد عرفت أنّه في غير محلّه حيث إنّ ما دلّ على تقدّم الكفن على الدّين وارد على ما يقتضيه الرهن من الاختصاص.
وأمّا تردّدهما في تقدّمه على حقّ المجنيّ عليه ففي محلّه خصوصا في الجناية العمديّة التي يكون الخيار للمجنيّ عليه ، فإنّ ما يستحقّه المجنيّ عليه في الحقيقة ليس دينا على المولى كي يندرج في موضوع النصوص والفتاوى المتقدّمة ، بل هو حقّ متعلّق برقبة العبد ، له استرقاقه في العمد ، وللمولى فكّه في الخطأ ، فما أشبهه بالمبيع بالبيع الخياري ، فإنّه وإن لم نقل بخروجه من الملك بالجناية إلّا أنّه قريب من ذلك لأجل صيرورته ، متعلّقا لحقّ الغير.
لكنّه مع ذلك قد يقوى في النظر تقدّمه على هذا الحقّ أيضا وإن كانت الجناية عمديّة فضلا عن غيرها ، نظرا إلى بقائه في ملك المولى ما لم يسترقّه المجنيّ عليه ، فيندرج في موضوع ما تركه الميّت. ولا يبعد دعوى ظهور قوله عليهالسلام في رواية السكوني : «أوّل شيء يبدأ به من المال الكفن ثمّ الدّين» (١) في أحقّيّة الميّت بما تركه بمقدار كفنه من سائر الناس ، ولا يزاحمه شيء من حقوق غيره. وتخصيص الدّين بالذكر ، لكونه أظهر أفراد الحقوق ، فتأمّل.
هذا كلّه فيما لو كانت الجناية قبل موت المولى ، ولو حدثت بعده ، فقد حكي عن الروض : القطع بتقديم الكفن عليه تبعا لجامع المقاصد (٢).
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٣٤٤ ، الهامش (٦).
(٢) الحاكي عنهما هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣١١ ، وانظر : روض الجنان : ١٠٩ ، وجامع المقاصد ١ : ٤٠١.