على مذهب من جعل الفاء منه محذوفة.
وأما المتقدمون فاختلفوا في تخريج الرّفع.
فذهب سيبويه إلى أن ذلك على سبيل التقديم ، وأنّ جواب الشرط ليس مذكورا عنده ، وذهب المبرد والكوفيون إلى أنه هو الجواب ، وإنما حذفت منه الفاء ، والفاء يرفع ما بعدها ، كقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥] فأعطيت ـ في الإضمار ـ حكمها في الإظهار.
وذهب غيرهما إلى أن المضارع هو الجواب بنفسه ـ أيضا ـ كالقول قبله ، إلا أنه ليس معه فاء مقدرة قالوا : لكن لما كان فعل الشرط ماضيا ، لا يظهر لأداة الشرط فيه عمل ظاهر استضعفوا أداة الشرط ، فلم يعملوها في الجواب ؛ لضعفها ، فالمضارع المرفوع ـ عند هذا القائل ـ جواب بنفسه من غير نية تقديم ، ولا على إضمار الفاء ، وإنما لم يجزم لما ذكر ، وهذا المذهب والذي قبله ضعيفان.
وتلخص من هذا الذي قلناه ـ أن رفع المضارع لا يمنع أن يكون ما قبله شرطا ، لكن امتنع أن يكون «وما عملت» شرطا لعلة أخرى ـ لا لكون «تودّ» مرفوعا ، وذلك على ما تقرّر من مذهب سيبويه أن النية بالمرفوع التقديم ، وأنه ـ إذ ذاك ـ دليل على الجواب لا نفس الجواب ، فنقول : لما كان «تودّ» منويا به التقديم أدّى إلى تقديم المضمر على ظاهره في غير الأبواب المستثناة في العربية ، ألا ترى أن الضمير في قوله : «وبينه» عائد على اسم الشرط ـ الذي هو «ما» ـ فيصير التقدير : تودّ كلّ نفس لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ما عملت من سوء ، فلزم هذا التقدير تقديم المضمر على الظاهر ، وذلك لا يجوز.
فإن قلت : لم لا يجوز ذلك والضمير قد تأخّر عن اسم الشرط وإن كانت نيّته التقديم فقد حصل عود الضمير على الاسم الظاهر قبله ، وذلك نظير : ضرب زيدا غلامه ، فالفاعل رتبته التقديم ، ووجب تأخيره لصحة عود الضمير؟
فالجواب : أن اشتمال الدليل على ضمير اسم الشرط يوجب تأخيره عنه ؛ لعود الضمير ، فيلزم من ذلك اقتضاء جملة الشرط لجملة الدليل ، وجملة الشرط إنما تقتضي جملة الجزاء ـ لا دليله ـ ألا ترى أنها ليست بعاملة في جملة الدليل؟ بل إنها تعمل في جملة الجزاء ، وجملة الدليل لا موضع لها من الإعراب ، وإذا كان كذلك تدافع الأمر ؛ لأنها من حيث هي جملة دليل لا يقتضيها فعل شرط ، ومن حيث عود الضمير على اسم
__________________
ـ والمقرب ١ / ٢٧٥ والأشموني ٤ / ١٨ والتصريح ٢ / ٢٤٩ والهمع ١ / ٧٢ ، ٢ / ٦١ وابن الشجري ١ / ٨٤ والمقتضب ٢ / ٧١ وضرورة الشعر ص ١١٥ والإيضاح في شرح المفصل ٢ / ٢٤٥ وشواهد التوضيح والتصحيح ص ٢٧٦ والارتشاف ٢ / ٥٥٥ وشرح التصريح ٢ / ٢٤٩ ورغبة الآمل ٢ / ١١٠ والدرر اللوامع ١ / ٤٧ والدر المصون ٢ / ٦٦.