الثاني : أن الشيطان لو تمكّن من هذا النخس لفعل أكثر من ذلك ـ من إهلاك الصالحين ، وإفساد أحوالهم.
الثالث : لم خصّ ـ بهذا الاستثناء ـ مريم وعيسى ـ عليهماالسلام ـ دون سائر الأنبياء؟
الرابع : أن ذلك المس لو وجد بقي أثره ، ولو بقي أثره لدام الصّراخ والبكاء ، فلمّا لم يكن كذلك علمنا بطلانه.
الوجه الثاني ـ في معنى القبول الحسن ـ : ما روي أن حنّة ـ حين ولدت مريم ـ لفّتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون ـ وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة ـ وقالت : خذوا هذه النذيرة ، فتنافسوا فيها ؛ لأنها كانت بنت إمامهم ، فقال لهم زكريّا : أنا أحق بها ؛ عندي خالتها ، فقالوا : لا ، حتى نقترع عليها ، فانطلقوا ـ وكانوا سبعة وعشرين ـ إلى نهر جار. قال السّدّيّ : هو نهر الأردن ـ فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون الوحي بها ، على أن كل من يرتفع قلمه ، فهو الراجح ، ثم ألقوا أقلامهم ثلاث مرات ، وفي كل مرة كان يرتفع قلم زكريا فوق الماء ، وترسب أقلامهم ، فأخذها زكريّا (١).
قاله محمد بن إسحاق وجماعة ، وقيل : جرى قلم زكريا مصعدا إلى أعلى الماء ، وجرت أقلامهم بجري الماء (٢).
وقال السّدّيّ وجماعة : ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين ، وجرت أقلامهم ، فذهب بها الماء ، فسهمهم زكريا ـ وكان رأس الأحبار ونبيهم ـ فأخذها.
الوجه الثالث : روى القفّال عن الحسن أنه قال : إن مريم تكلمت في صباها ـ كما تكلم المسيح ـ ولم تلتقم ثديا قط ، وإن رزقها كان يأتيها من الجنّة (٣).
الوجه الرابع : أن عادتهم في شريعتهم أن التحرير لا يجوز إلا في حق الغلام ، وحتى يصير عاقلا قادرا على خدمة المسجد ، وهنا قبل الله تلك الجارية على صغرها ، وعدم قدرتها على خدمة المسجد.
وقيل : معنى التّقبّل : التكفّل في التربية ، والقيام بشأنها.
وقال الحسن : معنى التقبل أنه ما عاذ بها قط ساعة من ليل ونهار (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢) عن ابن عباس وعزاه لإسحق بن بشر وابن عساكر عنه.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٥٣) عن محمد بن إسحاق.
(٣) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٨ / ٢٦) وعزاه للقفال عن الحسن.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٥٢) عن الحسن.