وزكريا في هذه القراءة مفعول ثان أيضا كقراءة الكوفيين. وقرأ حفص والأخوان «زكريا» ـ بالقصر ـ حيث ورد في القرآن ، وباقي السبعة بالمدّ والمدّ والقصر في هذا الاسم لغتان فاشيتان عن أهل الحجاز. وهو اسم أعجمي فكان من حقه أن يقولوا فيه : منع من الصرف للعلمية ، والعجمة ـ كنظائره ـ وإنّما قالوا منع من الصرف لوجود ألف التّأنيث فيه : إما الممدودة كحمراء ، وإما المقصورة كحبلى ، وكأن الذي اضطرهم إلى ذلك أنهم رأوه ممنوعا ـ معرفة ونكرة ـ قالوا : فلو كان منعه للعلمية والعجمة لانصرف نكرة لزوال أحد سببي المنع ، لكن العرب منعته نكرة ، فعلمنا أن المانع غير ذلك ، وليس معناه ـ هنا ـ يصلح مانعا من صرفه إلا ألف التأنيث ـ يعنون للشبه بألف التأنيث ـ وإلا فهذا اسم أعجمي لا يعرف له اشتقاق ، حتى يدّعى فيه أنّ الألف فيه للتأنيث.
على أن أبا حاتم قد ذهب إلى صرفه نكرة ، وكأنه لحظ المانع فيه ما تقدم من العلميّة والعجمة ، لكنهم غلطوه وخطئوه في ذلك ، وأشبع الفارسيّ القول فيه فقال : «لا يخلو من أن تكون الهمزة فيه للتأنيث ، أو للإلحاق أو منقلبة ، ولا يجوز أن تكون منقلبة ؛ لأن الانقلاب لا يخلو من أن يكون من حرف أصلي ، أو من حرف الإلحاق ؛ لأنه ليس في الأصول شيء يكون هذا ملحقا به ، وإذا ثبت ذلك ثبت أنها للتأنيث وكذلك القول في الألف المقصورة».
قال شهاب الدّين : «وهذا ـ الذي قاله أبو علي ـ صحيح ، لو كان فيما يعرف له اشتقاق ويدخله تصريف ، ولكنهم يجرون الأسماء الأعجميّة مجرى العربية بمعنى أنّ هذا لو ورد في لسان العرب كيف يكون حكمه».
وفيه ـ بعد ذلك ـ لغتان أخريان :
إحداهما : زكريّ ـ بياء مشددة في آخره فقط دون ألف ـ وهو في هذه اللغة منصرف ، ووجّه أبو علي ذلك فقال : «القول فيه أنّه حذف منه الياءان اللتان كانتا فيه ـ ممدودا ومقصورا ـ وما بعدها ، وألحق بياء النّسب ، ويدل على ذلك صرف الاسم ، ولو كانت الياءان هما اللتان كانتا فيه لوجب أن لا ينصرف ؛ للعجمة والتعريف ، وهذه لغة أهل نجد ومن والاهم».
الثانية : زكر ـ بوزن عمرو ـ حكاه الأخفش.
والكفالة أي : الضمان ـ في الأصل ـ ثم يستعار للضّمّ والأخذ ، يقال منه : كفل يكفل ، وكفل يكفل ، كعلم يعلم ـ كفالة وكفلا ، فهو كافل وكفيل ، والكافل : هو الذي ينفق على إنسان ويهتم بإصلاح حاله ، وفي الحديث : «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة» (١) وقال تعالى : (أَكْفِلْنِيها).
__________________
(١) أخرجه البخاري (٧ / ٩٤) كتاب الطلاق باب اللعان رقم (٥٣٠٣) ، (٨ / ١٥) كتاب الأدب باب فضل ـ