قوله : (قالَ يا مَرْيَمُ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه مستأنف ، قال أبو البقاء : «ولا يجوز أن يكون بدلا من «وجد» ؛ لأنه ليس بمعناه».
الثاني : أنه معطوف بالفاء ، فحذف العاطف ، قال أبو البقاء : «كما حذفت في جواب الشرط في قوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١] ، وكذلك قول الشاعر : [البسيط]
١٤٢٣ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
............(١) |
وهذا الموضع يشبه جواب الشرط ، لأن «كلّما» تشبه الشرط في اقتضائها الجواب.
قال شهاب الدين (٢) : وهذا ـ الذي قاله ـ فيه نظر من حيث إنه تخيّل أن قوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) أن جواب الشرط هو نفس (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) حذفت منه الفاء ، وليس كذلك ، بل جواب الشرط محذوف ، و ـ (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) جواب قسم مقدر قبل الشرط وقد تقدم تحقيق هذه المسألة ، وليس هذا مما حذفت منه فاء الجزاء ألبتة ، وكيف يدّعي ذلك ، ويشبّههه بالبيت المذكور ، وهو لا يجوز إلا في ضرورة؟
ثم الذي يظهر أن الجملة من قوله : «وجد» في محل نصب على الحال من فاعل «دخل» ويكون جواب «كلّما» هو نفس «قال» والتقدير : كلما دخل عليها زكريا المحراب واجدا عندها الرزق.
قال : وهذا بيّن.
ونكر «رزقا» تعظيما ، أو ليدل به على نوع «ما».
قوله : (أَنَّى لَكِ هذا) «أنى» خبر مقدم ، و «هذا» مبتدأ مؤخر ومعنى أنى هذا : من أين؟ كذا فسّره أبو عبيدة.
قيل : ويجوز أن يكون سؤالا عن الكيفية ، أي : كيف تهيأ لك هذا؟
قال الكميت : [المنسرح]
١٤٢٥ (٣) ـ أنّى ومن أين هزّك الطّرب |
|
من حيث لا صبوة ولا ريب (٤) |
وجوّز أبو البقاء في «أنّى» أن ينتصب على الظرف بالاستقرار الذي في «ذلك». و «لك» رافع ل «هذا» يعني بالفاعلية. ولا حاجة إلى ذلك ، وتقدم الكلام على «أنى» في «البقرة» (٥).
__________________
(١) تقدم برقم ١٤٩.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٧٩.
(٣) سقط سهوا عند الترقيم الرقم ١٤٢٤.
(٤) ينظر شرح شواهد الألفية ص ٣١٠ ، وشرح المفصل ٤ / ١٠٩ ، ١١١ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٤٢ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٧ ، والدر المصون ٢ / ٧٩.
(٥) آية ٢٢٣.