وهي مصدر كبر يكبر كبرا أي : طعن في السّنّ ، قال : [الطويل]
١٤٤٣ ـ صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا |
|
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم (١) |
فصل
قال الكلبيّ : كان زكريا ـ يوم بشّر بالولد ـ ابن ثنتين وتسعين سنة.
وقيل : ابن ثنتين وسبعين سنة.
وروى الضحاك ـ عن ابن عباس ـ قال : كان ابن عشرين ومائة سنة ، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة (٢).
فإن قيل : قوله : (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ) خطاب مع الله ، أو مع الملائكة ، وليس جائزا أن يكون مع الله تعالى ؛ لأن الآية المقدمة دلّت على أن الذين نادوه هم الملائكة ، وهذا الكلام ، لا بدّ أن يكون خطابا مع ذلك المنادى لا مع غيره ، وليس جائزا أن يكون خطابا مع الملك ؛ لأنه لا يجوز أن يقول الإنسان للملك : يا رب ، فذكر المفسّرون فيه جوابين :
أحدهما : أن الملائكة لما نادوه وبشّروه تعجّب زكريا ، ورجع في إزالة ذلك التعجّب إلى الله ـ تعالى ـ.
الثاني : أنه خطاب مع الملائكة ، والربّ إشارة إلى المربّي ، ويجوز وصف المخلوق به ، فإنه يقال : فلان يربيني ويحسن إليّ.
فإن قيل : لم قال زكريا ـ بعدما وعده الله وبشره بالولد ـ : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ)» أكان ذلك عنده محال أو شكّا في وعد الله وقدرته؟
فالجواب : من وجوه :
أحدها : إن قلنا : معناه من أين؟ هذا الكلام لم يكن لأجل أنه لو كان لا نطفة إلا من خلق ، ولا خلق إلا من نطفة ، لزم التسلسل ، ولزم حدوث الحوادث في الأزل ـ وهو محال ـ فعلمنا أنه لا بد من الانتهاء إلى مخلوق خلقه الله ـ تعالى ـ لا من نطفة ، أو من نطفة خلقها الله ـ تعالى ـ لا من إنسان.
[ثانيها] : يحتمل أن زكريّا طلب ذلك من الله ـ تعالى ـ فلو كان ذلك محالا ممتنعا لما طلبه من الله ـ تعالى ـ.
وإذا كان معنى «أنّى» : كيف ، فحدوث الولد يحتمل وجهين :
أحدهما : أي منع شيخوخته ، وشيخوخة امرأته ، أو يجعله وامرأته شابين ، أو يرزقه الله
__________________
(١) تقدم.
(٢) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٨ / ٣٥) عن ابن عباس.