أحدهما : أنه منصوب على المفعول من أجله ، والعامل فيه «أنزل» أي : أنزل هذين الكتابين لأجل هدايته.
وعلى هذا التقدير يكون قد وصف القرآن بأنه حق ، ووصف التوراة والإنجيل بأنهما هدى ، والوصفان متقاربان.
فإن قيل : لم وصف القرآن ـ في أول سورة البقرة ـ بأنه (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ، ولم يصفه هنا بذلك؟ قيل : إنما وصفه ـ هناك ـ بذلك ؛ [لأن](١) المتقين هم المنتفعون به ، فهو هدى لهم لا لغيرهم وهاهنا فالمناظرة كانت مع النصارى ، وهم لا يهتدون بالقرآن ، فلا جرم لم يقل هنا في القرآن إنه هدى ، بل قال (٢) : إنه حق في نفسه ـ سواء قبلوه أو ردوه ـ وأما التوراة والإنجيل فهم يعتقدون صحتهما ، ويدعون أنهم إنما يعولون في دينهم عليهما ، فلا جرم ، وصفهما بكونهما هدى. ويجوز أن يكون متعلقا ـ من حيث المعنى ـ ب «نزّل» و «أنزل» معا ، وتكون المسألة من باب التنازع على إعمال الثاني والحذف من الأول ، تقديره : نزل عليك الكتاب له أي : للهدى ، فحذفه.
ويجوز أن يتعلق بالفعلين ـ معا ـ تعلقا صناعيا ، لا على وجه التنازع ، بل بمعنى أنه علة للفعلين معا ، كما تقول : أكرمت زيدا وضربت عمرا إكراما لك ، يعني أن الإكرام علة الإكرام والضرب.
والثاني : أن ينتصب على الحال من التوراة والإنجيل. ولم يثنّ ؛ لأنه مصدر ، وفيه الأوجه المشهورة من حذف المضاف ـ أي ذوي هدى ـ أو على المبالغة ـ بأن جعلا نفس الهدى ـ أو على جعلهما بمعنى هاديين.
وقيل : إنه حال من الكتاب والتوراة والإنجيل.
وقيل : حال من الإنجيل فقط ، وحذف مما قبله ؛ لدلالة هذا عليه.
وقال بعضهم : تمّ الكلام عند قوله تعالى : (مِنْ قَبْلُ) فيوقف عليه ، ويبتدأ بقوله : (هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) أي : وأنزل الفرقان هدى للناس.
وهذا التقدير غير صحيح ؛ لأنه يؤدي إلى تقديم المعمول على حرف النسق ، وهو ممتنع ؛ إذ لو قلت : قام زيد مكتوفة وضربت هندا ـ تعني وضربت هندا مكتوفة ـ لم يصح ، فكذلك هذا.
قوله : «للناس» يحتمل أن يتعلق بنفس «هدى» لأن هذه المادة تتعدى (٣) باللام ، كقوله تعالى : (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] وأن يتعلق بمحذوف ؛ لأنه صفة ل «هدى».
__________________
(١) في أ : لأنهم.
(٢) في أ : قال هنا.
(٣) في أ : تتعلق باللام.