قال أبو حيان : «ولا يستقيم أن يكون (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ) ردّا على «بآية» ، لأن «بآية» في موضع حال و «لأحل» تعليل ، ولا يصحّ عطف التعليل على الحال ؛ لأن العطف بالحرف المشرك في الحكم يوجب التشريك في جنس المعطوف عليه ، فإن عطفت على مصدر ، أو مفعول به ، أو ظرف ، أو حال ، أو تعليل وغير ذلك شاركه في ذلك المعطوف».
قال شهاب الدين : ويحتمل أن يكون جوابه ما تقدم من أنه أراد ردا على «بآية» من حيث دلالتها على عمل مقدر.
قوله : (بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) المراد ب «بعض» مدلوله في الأصل.
قال أبو عبيدة : إنها ـ هنا ـ بمعنى «كل».
مستدلّا بقول لبيد : [الكامل]
١٤٨٣ ـ ترّاك أمكنة إذا لم أرضها |
|
أو يعتلق بعض النّفوس حمامها (١) |
يعني كلّ النفوس.
وقد يرد الناس عليه بأنه كان يلزم أن يحلّ لهم الزنا ، والسرقة ، والقتل ؛ لأنها كانت محرّمة عليهم ، فلو كان المعنى : ولأحلّ لكم كلّ الذي حرّم عليكم لأحلّ لهم ذلك كلّه.
واستدل بعضهم على أن «بعضا» بمعنى «كلّ» بقول الآخر : [الطويل]
١٤٨٤ ـ أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا |
|
حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض (٢) |
أي : أهون من كل شر.
واستدل آخرون بقول الشّاعر : [البسيط]
١٤٨٥ ـ إنّ الأمور إذا الأحداث دبّرها |
|
دون الشّيوخ ترى في بعضها خللا (٣) |
أي : في كلها خللا ، ولا حاجة إلى إخراج اللفظ عن مدلوله مع إمكان صحة معناه ؛ إذ مراد لبيد ب «بعض النّفوس» نفسه هو والتبعيض في البيت الآخر واضح ؛ فإن الشر بعضه أهون من بعض آخر لا من كلّه ، وكذلك ليس كل أمر دبره الأحداث كان خللا ، بل قد يأتي تدبيره خيرا من تدبير الشيخ.
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه ص ٣١٣ ، والخصائص ١ / ٧٤ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤١٥ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٥١ ، ومجالس ثعلب ص ٦٣ ، ٣٤٦ ، ٤٣٧ ، والمحتسب ١ / ١١١ ، وخزانة الأدب ٧ / ٣٤٩ ، والخصائص ٢ / ٣١٧ ، ٣٤١ ، والدر المصون ١ / ١١٠.
(٢) البيت لطرفة بن العبد ينظر ديوانه ص ٦٦ ، والكتاب ١ / ٣٤٨ ، والدرر ٣ / ٦٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٩٠ وجمهرة اللغة ص ١٢٧٣ ، وشرح المفصل ١ / ١١٨ ، والمقتضب ٣ / ٢٢٤ ، والدر المصون ١ / ١١٠ ولسان العرب [حنن].
(٣) ينظر البيت في الإنصاف ٢ / ٧٦٧. والدر المصون ١ / ١١٠.