قال أبو البقاء : «هذا تكرير للتوكيد ؛ لأنه قد سبق هذا المعنى في الآية التي قبلها».
ويحتمل أن تكون للتأسيس ؛ لاختلاف متعلّقها ومتعلّق ما قبلها.
قال أبو حيّان : قوله : (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) للتأسيس ، لا للتوكيد لاختلاف متعلقها لقوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وتكون هذه الآية هي (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ،) لأن هذا القول شاهد على صحة رسالته ؛ إذ جميع الرّسل كانوا عليه لم يختلفوا فيه ، وجعل هذا القول آية وعلامة ؛ لأنه رسول كسائر الرّسل ؛ حيث هداه للنظر في أدلّة العقل والاستدلال قاله الزمخشريّ ، [وهو صحيح](١).
وقال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) لأن طاعة الرسول من لوازم تقوى الله.
وقوله : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) قراءة العامة بكسر همزة «إن» على الإخبار المستأنف ؛ وهذا ظاهر على قولنا : إن (جِئْتُكُمْ) تأكيد.
أما إذا جعلناه تأسيسا ، وجعلت الآية هي قوله : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) ـ بالمعنى المذكور أولا ـ فلا يصح الاستئناف ، بل يكون الكسر على إضمار القول ، وذلك القول بدل من الآية ، كأن التقدير : وجئتكم بآية من ربكم قولي : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ،) ف «قولي» بدل من آية ، و «إنّ» وما في حيّزها معمول «قولي» ، ويكون قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) اعتراضا بين البدل والمبدل منه.
وقرىء بفتح الهمزة (٢) ، وفيه أوجه :
أحدها : أنه بدل من «آية» ، كأن التقدير : وجئتكم بأن الله ربي وربكم ، أي : جئتكم بالتوحيد.
وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) اعتراض أيضا.
الثاني : أن ذلك على إضمار لام العلة ، ولام العلة متعلقة بما بعدها من قوله (فَاعْبُدُوهُ)، والتقدير : فاعبدوه لأن الله ربي وربكم كقوله : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : ١] إلى أن قال : (فَلْيَعْبُدُوا) إذ التقدير فليعبدوا ، لإيلاف قريش ، وهذا عند سيبويه وأتباعه ـ ممنوع ؛ لأنه متى كان المعمول أنّ وصلتها يمتنع تقديمها على عاملها لا يجيزون : أنّ زيدا منطلق عرفت ـ تريد عرفت أن زيدا منطلق ـ للفتح اللفظي ، إذ تصدّرها ـ لفظا ـ يقتضي كسرها.
الثالث : أن يكون على إسقاط الخافض ـ وهو على ـ و «على» يتعلق بآية بنفسها ، والتقدير : وجئتكم بآية على أن الله ، كأنه قيل : بعلامة ودلالة على توحيد الله ـ تعالى ـ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) انظر : الكشاف ١ / ٣٦٥ ، والمحرر الوجيز ١ / ٤٤١ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٩١ والدر المصون ٢ / ١١١.