فالجواب : أن الغرض منه إفهام العباد كمال علمه ، وفهمهم هذا المعنى عند ذكر السموات والأرض أقوى ؛ لأن الحس يرى عظمة السموات والأرض ، فيعين العقل على معرفة عظمة علم الله تعالى ، والحس متى أعان العقل على المطلوب كان الفهم أتم ، والإدراك أكمل ، ولذلك فإن (١) المعاني الدقيقة إذا أريد إيضاحها ذكر لها مثال ؛ فإن المثال يعين على الفهم.
قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ) تحتمل هذه الجملة أن تكون مستأنفة سيقت لمجرد الإخبار بذلك ، وأن تكون في محل رفع خبرا ثانيا لإنّ.
قوله : (فِي الْأَرْحامِ) يجوز أن يتعلق ب «يصوّركم» وهو الظاهر ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من مفعول «يصوّركم» أي : يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ.
وقرأ طاوس (٢) : تصوّركم ـ فعلا ماضيا ـ ومعناه : صوركم لنفسه ، ولتعبدوه ، وتفعّل يأتي بمعنى فعّل ، كقولهم : تأثلث مالا ، وأثّلته ، أي : جعلته أثلة أي : أصلا ، والتصوير : تفعيل من صاره ، يصوره ، أي : أماله وثناه ، ومعنى صوره : جعل له صورة مائلة إلى شكل أبويه.
والصورة : الهيئة يكون عليها الشيء من تأليف خاص ، وتركيب منضبط ، قاله الواحدي وغيره.
والأرحام : جمع رحم ، وأصلها الرحمة ، وذلك لأن الاشتراك في الرحم يوجب الرحمة ، والعطف ، فلهذا سمّي العضو رحما.
قوله : (كَيْفَ يَشاءُ) فيه أوجه :
أظهرها : أنّ «كيف» للجزاء ، وقد جوزي بها في لسانهم في قولهم : كيف تصنع أصنع ، وكيف تكون أكون ، إلا أنه لا يجزم بهما ، وجوابها محذوف ؛ لدلالة ما قبلها عليه ، وكذلك مفعول «يشاء» لما تقدم أنه لا يذكر إلا لغرابة والتقدير : كيف يشاء تصويركم يصوركم ، فحذف تصويركم ؛ لأنه مفعول «يشاء» ويصوركم ؛ لدلالة «يصوّركم» الأول عليه ، ونظيره قولهم : أنت ظالم إن فعلت ، تقديره : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم.
وعند من يجيز تقديم الجزاء في الشرط الصريح يجعل «يصوّركم» المتقدم هو الجزاء ، و «كيف» منصوب على الحال بالفعل بعده ، والمعنى : على أي حال شاء أن يصوركم صوركم ، وتقدم الكلام على ذلك في قوله (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) (٣) ولا جائز أن
__________________
(١) في أ : كان.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٣٣٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٩٥ ، والدر المصون ٢ / ١٢.
(٣) سورة البقرة آية (٢٨).