الإشكال الثاني : أن الله ـ تعالى ـ كان قد أمر جبريل عليه الصلاة والسلام بأن يكون معه في أكثر الأحوال ، كذا قاله المفسّرون في تفسير قوله تعالى : (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [المائدة : ١١٠] ثم إن طرف جناح واحد من أجنحة جبريل عليهالسلام كان يكفي للعالم من البشر ، فكيف لم يكف في منع أولئك اليهود عنه.
وأيضا إنه عليهالسلام ـ لمّا كان قادرا على إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، فكيف لم يقدر على إماتة اليهود الذين قصدوه بالسوء ، وعلى إسقامهم ، وإلقاء الزمانة والفلج عليهم حتى يصيروا عاجزين عن التعرّض له؟
الإشكال الثالث : أنه ـ تعالى ـ كان قادرا على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يدفعه عنهم ، ويرفعه إلى السماء فما الفائدة في إلقاء الشبه على الغير؟ وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة ألبتة؟
الإشكال الرابع : أنه إذا ألقي شبهه على الغير ، ثم إنه رفع بعد ذلك إلى السماء فالقوم اعتقدوا فيه أنه عيسى عليهالسلام مع أنه ما كان عيسى ، فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى.
الإشكال الخامس : أن النصارى ـ على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح ، وغلوّهم في أمره ـ أخبروا أنهم شاهدوه مقتولا ، مصلوبا ، فلو أنكرنا ذلك ، طعنّا فيما ثبت بالتواتر ، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وكل ذلك باطل.
الإشكال السادس : أنه ثبت بالتواتر أن المصلوب بقي حيّا زمانا طويلا فلو لم يكن ذلك عيسى ـ بل كان غيره ـ لأظهر الجزع ، ولقال : إني لست بعيسى ـ بل إنما أنا غيره ـ ولبالغ في تعريف هذا المعنى ، ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى ، فلما لم يوجد شيء من هذا علمنا أنه ليس الأمر على ما ذكرتم.
والجواب عن الأول : أنه كل من أثبت القادر المختار سلّم أنه ـ تعالى ـ قادر على أن يخلق إنسانا آخر على صورة زيد ـ مثلا ـ ثم إن هذا التجويز لا يوجب الشك المذكور ، فكذا القول فيما ذكرتم.
والجواب عن الثاني : أن جبريل عليهالسلام لو دفع الأعداء عنه ، أو أقدر الله عيسى على دفع الأعداء عن نفسه لبلغت معجزته إلى حد الإلجاء ، وذلك غير جائز ، وهذا هو الجواب عن الإشكال الثالث ؛ فإنه ـ تعالى لو رفعه إلى السماء ، وما ألقى شبهه على الغير لبلغت تلك المعجزة إلى حدّ الإلجاء.
والجواب عن الرابع : أن تلامذة عيسى كانوا حاضرين ، وكانوا عالمين بكيفية الواقعة ؛ وهم كانوا يزيلون ذلك التلبيس.