[بينهما](١) ، قال تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) [البقرة : ٧] ، وقال في وصف ثمار الجنة : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) [البقرة : ٢٥] أي : متّفق المنظر ، وقال تعالى : (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) [البقرة : ١١٨] ، ويقال : أشبه عليّ الأمر إذا لم يظهر له الفرق ويقال لأصحاب المخاريق : أصحاب الشبه ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما أمور متشابهات» (٢) وفي رواية مشتبهات ، ثم لما كان من شأن المتشابهين عجز الإنسان عن التمييز بينهما ، سمّي كلّ ما لا يهتدي إليه الإنسان بالمتشابه ؛ إطلاقا لاسم السبب على المسبّب ، ونظيره المشكل ، سمّي بذلك ؛ لأنه أشكل أي : دخل في شكل غيره ، فأشبهه وشاكله ، ثمّ يقال لكل ما غمض ـ وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة ـ مشكلا ، ولهذا يحتمل أن يقال للذي لا يعرف ثبوته أو عدمه ، وكان الحكم بثبوته مساويا للحكم بعدمه في العقل والذهن ومشابها [له](٣) ، ولم يتميز أحدهما عن الآخر بمزيد رجحان ، فلا جرم يسمّى غير المعلوم بأنه متشابه.
قال ابن الخطيب : «فهذا تحقيق القول في المحكم والمتشابه بحسب أصل اللغة ، والناس قد أكثروا في تفسير المحكم والمتشابه ، ونحن نذكر الوجه الملخص الذي عليه أكثر المحققين ثم نذكر عقيبه أقوال الناس فيه فنقول : إذا وضع اللفظ لمعنى فإما أن يحتمل غيره أو لا ، فإن كان لا يحتمل غيره فهو النص ، وإن احتمل غيره فإما أن يكون احتماله لأحدهما راجحا على الآخر ، فيكون بالنسبة إلى الراجح ظاهرا ، وبالنسبة إلى المرجوح مؤولا ، وإن كان احتماله لهما على السوية ، فيكون اللفظ (٤) بالنسبة إليهما معا مشتركا ، وبالنسبة إلى كل واحد منهما على التعيين مجملا ، فحصل من هذا التقسيم أن اللفظ ، إما أن يكون نصا ، أو ظاهرا ، أو مؤولا ، أو مشتركا ، والنص والظاهر يشتركان في حصول الترجيح ، إلا أن النص راجح مانع من الغير ، فهذا القدر المشترك هو المسمّى بالمحكم ، أما المجمل والمؤول ، فهما يشتركان في أن دلالة اللفظ عليه غير راجحة [وإن لم يكن راجحا ، أو غير مرجوح ، والمؤوّل ـ مع أنه غير راجح ـ فهو مرجوح ، لا بحسب الدليل المنفرد](٥) ، فهذا القدر المشترك هو المسمّى المتشابه ؛ لأن عدم الفهم حاصل في القسمين جميعا ، وقد بينّا أن ذلك يسمى متشابها ، إما لأن الذي لا يعلم يكون النفي فيه مشابها للإثبات في الذهن ، وإما لأجل أن الذي [يحصل] فيه التشابه يصير غير معلوم ، فيطلق لفظ «المتشابه» على ما لا يعلم ؛ إطلاقا لاسم السبب على المسبب فهذا هو الكلام المحصّل في المحكم والمتشابه.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه البخاري ١ / ١٥٣ كتاب الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه (٥٢) ومسلم ٣ / ١٢١٩ كتاب المساقاة ، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (١٠٧ ـ ١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : فاللفظ.
(٥) سقط في أ.