منصوب على الاستثناء من «أحد» ، وعلى هذا الوجه جوّز أبو البقاء في محل (أَنْ يُؤْتى) ثلاثة أوجه :
الأول والثاني : مذهب الخليل وسيبويه ، وقد تقدّما.
الثالث : النصب على المفعول من أجله ، تقديره : مخافة أن يؤتى.
وهذا الوجه الثالث ـ لا يصح من جهة المعنى ، ولا من جهة الصناعة ، أمّا المعنى فواضح وأما الصناعة فإن فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه ، وعلى عامله ، وفيه ـ أيضا ـ تقديم ما في صلة أن عليها ، وهو غير جائز.
الوجه الثالث : أن يكون (أَنْ يُؤْتى) مجرورا بحرف العلة ـ وهو اللام ـ والمعلّل محذوف ، تقديره لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ، ودبّرتموه ، لا لشيء آخر ، وقوله : (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) معناه : ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر ـ وهو إيمانكم وجه النّهار ـ (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ،) إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم ؛ لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم ، ولأن إسلامهم كان أغبط لهم ، وقوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) معناه : لأن يؤتى مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ، ودبرتموه ، لا لشيء آخر ، يعني أن ما بكم من الحسد والبغي ، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم ، والدليل عليه قراءة ابن كثير (١) : أأن يؤتى أحد؟ ـ بزيادة همزة الاستفهام ، والتقرير ، والتوبيخ ـ بمعنى : ألأن يؤتى أحد؟
فإن قلت : ما معنى قوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) على هذا؟
قلت : معناه : دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، ولما يتصل به عند كفركم به في محاجتهم [لكم] عند ربكم.
الوجه الرابع : أن ينتصب (أَنْ يُؤْتى) بفعل مقدّر ، يدل عليه : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) كأنه قيل : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. ف «لا تنكروا» ناصب ل «أن» وما في حيّزها ؛ لأن قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) إنكار لأن يؤتى أحد مثل ما أوتوا.
قال أبو حيّان : وهذا بعيد ؛ لأنه فيه حذف حرف النهي وحذف معموله ، ولم يحفظ ذلك من لسانهم.
قال شهاب الدين (٢) : «متى دلّ على العامل دليل جاز حذفه على أي حالة كان».
الوجه الخامس : أن يكون (هُدَى اللهِ) بدلا من «الهدى» الذي هو اسم «إنّ» ويكون
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٠٧ ، والكشف ١ / ١٤٧ ، والحجة ٣ / ٥٢ ، وحجة القراءات ١٦٥ ، وإعراب القراءات ١ / ١١٤ ، والعنوان ٨٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٦٠ ، وإتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٨٢.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ١٣٧.