وثانيها : أن (أَنْ يُؤْتى) في محل رفع بالابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره : أأن يؤتى أحد ـ يا معشر اليهود ـ من الكتاب والعلم مثل ما أوتيتم تصدقون به ، أو تعترفون به ، أو تذكرونه لغيركم ، أو تشيعونه في الناس ، ونحو ذلك مما يحسن تقديره ، وهذا على قول من يقول : أزيد ضربته؟ وهو وجه مرجوح ، كذا قدره الواحديّ تبعا للفارسيّ وأحسن من هذا التقدير لأن الأصل أإتيان أحد مثل ما أوتيتم ممكن أو مصدق به.
الثالث : أن يكون منصوبا بفعل مقدّر يفسّره هذا الفعل المضمر ، وتكون المسألة من باب الاشتغال ، التقدير : أتذكرون أن يؤتى أحد تذكرونه؟ ف «تذكرونه» مفسّر ل «تذكرون» الأولى ، على حد : أزيدا ضربته؟ ثم حذف الفعل الأخير ؛ لدلالة الكلام عليه ، وكأنه منطوق به ، ولكونه في قوة المنطوق به صحّ له أن يفسّر مضمرا وهذه المسألة منصوص عليها ، وهذا أرجح من الوجه قبله ، لأنه مثل : أزيدا ضربته وهو أرجح ، لأجل الطالب للفعل ، ومثل حذف هذا الفعل المقدّر لدلالة ما قبل الاستفهام عليه حذف الفعل في قوله تعالى : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) [يونس : ٩١] تقديره : آلآن آمنت ، ورجعت وثبت ، ونحو ذلك.
قال الواحديّ : فإن قيل : كيف جاز دخول «أحد» في هذه القراءة ، وقد انقطع من النفي ، والاستفهام ، وإذا انقطع الكلام ـ إيجابا وتقريرا ـ فلا يجوز دخول «أحد».
قيل : يجوز أن يكون «أحد» ـ في هذا الموضع ـ أحدا الذي في نحو أحد وعشرين ، وهذا يقع في الإيجاب ، ألا ترى أنه بمعنى «واحد».
قال أبو العباس : إن «أحدا» و «وحدا» و «واحدا» بمعنى.
وقوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ ،) أو في هذه القراءة ـ بمعنى «حتى» ، ومعنى الكلام : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تذكرونه لغيركم حتى يحاجّوكم عند ربكم.
قال الفراء : «ومثله في الكلام : تعلّق به أو يعطيك حقّك.
ومثله قول امرىء القيس : [الطويل]
١٥١٤ ـ فقلت له : لا تبك عينك إنّما |
|
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا (١) |
أي حتى ، ومن هذا قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) ، ومعنى
__________________
(١) ينظر البيت في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤١٢ ، ٨ / ٥٤٤ ، ٥٤٧ ، وشرح المفصل ٧ / ٢٢ ، ٣٢ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٢٨ ، والكتاب ٣ / ٤٧ ، واللامات ص ٦٨ ، والمقتضب ٢ / ٢٨ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٣١٣ ، والجنى الداني ص ٢٣١ ، والخصائص ١ / ٢٦٣ ، ورصف المباني ص ١٣٣ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٤ ، واللمع ص ٢١١ ، والدر المصون ٢ / ١٣٩.