الآية : ما أعطي أحد مثل ما أوتيتم ـ يا أمة محمد ـ من الدين والحجّة حتى يحاجوكم عند ربكم» ، قال : «فهذا وجه ، وأجود منه أن تجعله عطفا على الاستفهام ، والمعنى : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجّكم أحد عند الله تصدقونه؟». وهذا كله معنى قول أبي علي الفارسي.
ويجوز أن يكون (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) منصوبا بفعل مقدّر لا على سبيل التفسير ، بل لمجرد الدلالة المعنوية ، تقديره : أتذكرون ، أو أتشيعونه. ذكره الفارسي أيضا ، وهذا هو الوجه الرابع.
الخامس : أن يكون (أَنْ يُؤْتى) ـ في قراءته ـ مفعولا من أجله على أن يكون داخلا تحت القول لا من قول الطائفة ، وهو أظهر من جعله من قول الطّائفة.
قال ابن الخطيب : «أما قراءة من يقصر الألف من «أن» فقد يمكن إيضاحها على معنى الاستفهام ، كما قرىء : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] ـ بالمد والقصر ـ وكذا قوله تعالى : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) [القلم : ١٤] قرىء (١) بالمد والقصر.
وقال امرؤ القيس : [المتقارب]
١٥١٥ ـ تروح من الحيّ أم تبتكر |
|
وماذا عليك بأن تنتظر؟ (٢) |
أراد : أتروح؟ فحذف ألف الاستفهام ؛ لدلالة «أم» عليه ، وإذا ثبت أن هذه القراءة محتملة لمعنى الاستفهام كان التقدير ما شرحناه في القراءة الأولى.
وقد ضعف الفارسيّ قراءة ابن كثير ، فقال : [«وهذا موضع ينبغي أن ترجّح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير](٣) ؛ لأن الأسماء المفردة ليس بالمستمر فيها أن تدلّ على الكثرة».
وقرأ الأعمش وشعيب (٤) بن أبي حمزة : إن يؤتى ـ بكسر الهمزة ـ وخرّجها الزمخشريّ على أنها «إن» النافية ، فقال : وقرىء : «إن يؤتى أحد» على «إن» النافية ، وهو متصل بكلام أهل الكتاب ، أي : «ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم» وقولوا لهم : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم ، يعني ما يؤتون مثله فلا يحاجونكم.
قال ابن عطية : «وهذه القراءة تحتمل أن يكون الكلام خطابا من الطائفة القائلة ،
__________________
(١) ستأتي في القلم آية ١٤.
(٢) ينظر البيت في ديوانه ص ١٥٤ ، والأزهية ص ٣٧ ، ولسان العرب (عيد) ، ورصف المباني ص ٤٥.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٣٧٤ ، والمحرر الوجيز ١ / ٤٥٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٥٢١ ، والدر المصون ٢ / ١٣٩.