وقد تقدم أنها لغة عقيل ، وكلاب أيضا ، وأما قراءة الباقين فواضحة وقرأ الزهريّ «يؤدّهو» بضم الهاء بعدها واو ، وهذا هو الأصل في هاء الكتابة ، وقرأ سلّام (١) كذلك إلا أنه ترك الواو فاختلس ، وهما نظيرتا قراءتي «يؤدهي» و (يُؤَدِّهِ ـ) بالإشباع والاختلاس مع الكسر واعلم أن هذه الهاء متى جاءت بعد فعل مجزوم ، أو أمر معتلّ الآخر ، جرى فيها هذه الأوجه الثلاثة أعني السكون والإشباع والاختلاس ـ كقوله : (نُؤْتِهِ مِنْها) [آل عمران : ١٤٥] وقوله : (يَرْضَهُ لَكُمْ) وقوله : (ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) [النساء : ١١٥] ، وقوله : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) [النمل : ٢٨] وقد جاء ذلك في قراءة السبعة ـ أعني : الأوجه الثلاثة ـ في بعض هذه الكلمات وبعضها لم يأت فيه إلا وجه ـ وسيأتي مفصّلا في مواضعه إن شاء الله. وليس فيه أن الهاء التي للكناية متى سبقها متحرّك فالفصيح فيها الإشباع ، نحو «إنّه ، له ، به» ، وإن سبقها ساكن ، فالأشهر الاختلاس ـ سواء كان ذلك الساكن صحيحا أو معتلا ـ نحو فيه ، منه وبعضهم يفرق بين المعتلّ والصحيح وقد تقدم ذلك أول الكتاب.
إذا علم ذلك فنقول : هذه الكلمات ـ المشار إليها ـ إن نظرنا إلى اللفظ فقد وقعت بعد متحرّك ، فحقها أن تشبع حركتها موصولة بالياء ، أو الواو ، وإن سكنت فلما تقدم من إجراء الوصل مجرى الوقف. وإن نظرنا إلى الأصل فقد سبقها ساكن ـ وهو حرف العلة المحذوف للجزم ـ فلذلك جاز الاختلاس ، وهذا أصل نافع مطرد في جميع هذه الكلمات.
قوله (بِدِينارٍ) في هذه الباء ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها للإلصاق ، وفيه قلق.
الثاني : أنها بمعنى «في» ولا بد من حذف مضاف ، أي : في حفظ قنطار ، وفي حفظ دينار.
الثالث : أنها بمعنى «على» وقد عدّي بها كثيرا ، كقوله : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) [يوسف : ١١] وقوله : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٦٤] وكذلك هي في (بِقِنْطارٍ).
قوله : (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) استثناء مفرّغ من الظرف العام ؛ إذ التقدير : لا يؤده إليك في جميع المدد والأزمنة إلا في مدة دوامك قائما عليه ، متوكّلا به و «دمت» هذه هي الناقصة ، ترفع وتنصب ، وشرط إعمالها أن يتقدمها ما الظرفية كهذه الآية إذ التقدير إلا مدة دوامك [ولا ينصرف ، فأما قولهم : «يدوم» فمضارع «دام» التامة بمعنى بقي ، ولكونها صلة ل «ما» الظرفية] لزم أن يكون بحاجة إلى كلام آخر ، ليعمل في الظرف نحو
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٥٢٤ ، والدر المصون ٢ / ١٤٢.