ومنها أن هذه لغة ثابتة عن العرب حفظها الأئمة الأعلام كالكسائي والفراء ـ حكى الكسائيّ عن بني عقيل وبني كلاب (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [العاديات : ٦] ـ بسكون الهاء وكسرها من غير إشباع ـ.
ويقولون : له مال ، وله مال ـ بالإسكان والاختلاس.
قال الفراء : من العرب من يجزم الهاء ـ إذا تحرّك ما قبلها ـ نحو ضربته ضربا شديدا ، فيسكنون الهاء كما يسكنون ميم «أنتم» و «قمتم» وأصلها الرفع.
وأنشد : [الرجز]
١٥٢٠ ـ لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع |
|
مال إلى أرطاة حقف فالطجع (١) |
قال شهاب الدين : وهذا عجيب من الفرّاء ؛ كيف ينشد هذا البيت في هذا المعرض ؛ لأن هذه الفاء مبدلة من تاء التأنيث التي كانت ثابتة في الوصل ، فقلبها هاء ساكنة في الوصل ؛ إجراء له مجرى الوقف وكلامنا إنما هو في هاء الضمير لا في هاء التأنيث ؛ لأن هاء التأنيث لا حظّ لها في الحركة ألبتة ، ولذلك امتنع رومها وإشمامها في الوقف ، نصّوا على ذلك ، وكان الزجاج يضعّف في اللغة ، ولذلك رد على ثعلب ـ في فصيحه ـ أشياء أنكرها عن العرب ، فردّ الناس عليه ردّه ، وقالوا : قالتها العرب ، فحفظها ثعلب ولم يحفظها الزجّاج. فليكن هذا منها.
وزعم بعضهم أن الفعل لما كان مجزوما ، وحلت الهاء محلّ لامه جرى عليها ما يجري على لام الفعل ـ من السكون للجزم ـ وهو غير سديد.
وأما قراءة قالون فأنشدوا عليها قول الشاعر : [الوافر]
١٥٢١ ـ له زجل كأنّه صوت حاد |
|
إذا طلب الوسيقة أو زمير (٢) |
وقول الآخر : [الطويل]
١٥٢٢ ـ أنا ابن كلاب وابن أوس فمن يكن |
|
قناعة مغطيّا فإنّي لمجتلى (٣) |
وقول الآخر : [البسيط]
١٥٢٣ ـ أو معبر الظّهر ينبي عن وليّته |
|
ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا (٤) |
__________________
(١) البيت لمنظور بن حبة الأسدي. ينظر الخصائص ١ / ٦٣ ـ ٢٦٣ وابن يعيش ٩ / ٨٢ واللسان (رطا) والمحتسب ١ / ١٢٤ ومعاني الفراء ١ / ٣٨٨ وأوضح المسالك ٣ / ٣١٣ والمقرب ٢ / ١٧٩ والمنصف ٢ / ٣٢٩ وتذكرة النحاة ص ٣٠ وضرائر الشعر ص ٣٠ وشرح الشافية ٢ / ٢٨٠ وشرح الجمل ٢ / ٥٩٣ والدر المصون ٢ / ١٤١.
(٢) تقدم برقم ٤١١.
(٣) ينظر البيت في الإنصاف (٩٨) واللسان (غطى) ومعاني القرآن للفراء ١ / ٢٢٣ والدر المصون ٢ / ١٤١.
(٤) تقدم برقم ٤١٢.