قبل «لا» النافية ، وإذا قدرها قبلها انسبك منها ومن الفعل المنفي ب «لا» مصدر منفي ، فيصير المعنى : ما كان لبشر موصوف بما وصف به انتفاء أمره باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا ـ وإذا لم يكن له انتفاء الأمر بذلك كان له ثبوت الأمر بذلك ، وهو خطأ بيّن.
أما إذا جعل «لا» لتأكيد النفي لا لتأسيسه فلا يلزم خطأ ، ولا عدم التئام المعنى ؛ وذلك أنه يصير النفي مستحبا على المصدرين المقدّر ثبوتهما ، فينتفي قوله : (كُونُوا عِباداً لِي) وينتفي أيضا أمره باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا. ويوضّح هذا المعنى وضع «غير» موضع «لا» فإذا قلت : ما لزيد فقه ولا نحو. كانت «لا» لتأكيد النفي ، وانتفى عنه الوصفان ، ولو جعلت «لا» لتأسيس النفي كانت بمعنى «غير» فيصير المعنى انتفاء الفقه عنه ، وثبوت النحو له ؛ إذ لو قلت : ما لزيد فقه غير نحو ، كان في ذلك إثبات النحو له ، كأنك قلت : ما له غير نحو ، ألا ترى أنك إذا قلت : جئت بلا زاد ، كان المعنى : جئت بغير زاد وإذا قلت : ما جئت بغير زاد ، معناه أنك جئت بزاد ؛ لأن «لا» هنا لتأسيس النفي ، فإطلاق ابن عطية الخطأ وعدم التئام المعنى إنما يكون على أحد التقديرين ، وهو أن يكون «لا» لتأسيس النفي لا لتأكيده ، وأن يكون من عطف المنفي ب «لا» على المثبت الداخل عليه النفي نحو : ما أريد أن تجهل وألا تتعلم ، تريد : ما أريد أن لا تتعلم».
وتابع الزمخشريّ الطبريّ في عطف «يأمركم» على «يقول» وجوّز في «لا» الداخلة عليه وجهين :
أحدهما : أن يكون لتأسيس النفي.
الثاني : أنها مزيدة لتأكيده ، فقال : وقرىء (وَلا يَأْمُرَكُمْ) بالنصب ؛ عطفا على «ثمّ يقول» (١) وفيه وجهان :
أحدهما : أن تجعل «لا» مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ). والمعنى : ما كان لبشر أن يستنبئه الله تعالى ، وينصّبه للدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة وترك الأنداد ، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا لهم ، ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ، كقولك : ما كان لزيد أن أكرمه ، ثم يهينني ولا يستخف بي.
والثاني : أن يجعل «لا» غير مزيدة ، والمعنى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح ، فلما قالو له : أنتخذك ربّا؟ قيل لهم : ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادته ، وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء.
قال شهاب الدين : «وكلام الزمخشري صحيح ، ومعناه واضح على كلا تقديري كون «لا» لتأسيس النفي وتأكيده فكيف يجعل الشيخ كلام الطبريّ فاسدا على أحد
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٣٧٨.