بهذا؟ فأنزل الله (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ)(١).
وقال الربيع : هم وفد نجران ، خاصموا النبيّ صلىاللهعليهوسلم في عيسى ، وقالوا : ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ قال : بلى ، قالوا : حسبنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ثم أنزل : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) [آل عمران : ٥٩].
قال ابن جريج : هم المنافقون (٢).
وقال الحسن : هم الخوارج ، وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري من هم (٣) ، وقال المحققون : إن هذا يعم جميع المبطلين ، قالت عائشة : تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية «منه آيات محكمة هي أم الكتاب وأخر متشابهات» إلى قوله : «أولي الألباب» (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) فقال رسول الله : «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم» (٤). وعن أبي غالب قال : «كنت أمشي مع أبي أمامة ، وهو على حمار حتى إذا انتهى إلى درج مسجد (٥) دمشق ، فإذا رؤوس منصوبة ، فقال : ما هذه الرؤوس؟ قيل : هذه رؤوس يجاء بهم من العراق ، فقال أبو أمامة : كلاب النار ، كلاب النار ، [كلاب النار](٦) أو قتلى تحت ظل السماء ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ـ يقولها ثلاثا ـ ثم بكى ، فقلت : ما يبكيك يا أبا أمامة؟ قال : رحمة لهم ؛ إنهم كانوا من أهل الإسلام ، فخرجوا منه ، ثم قرأ : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) الآية ، ثم قرأ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) [آل عمران : ١٠٥] ، فقلت : يا أبا أمامة ، هم هؤلاء؟ قال : نعم ، قلت : أشيء تقوله برأيك ، أم شيء سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال : إني إذن لجريء ، إني إذا لجريء ، بل سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم غير مرة ولا مرتين ، ولا ثلاث ، ولا أربع ، ولا خمس ، ولا ست ، ولا سبع ، ووضع أصبعيه في أذنيه ، قال : وإلا فصمّتا ، قالها ثلاثا ـ ثم قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول تفرّقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة ،
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٧ ـ ٨).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٨٤) وانظر «التفسير الكبير» (٧ / ١٧٣).
(٣) ذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٢ / ٣٩٩).
(٤) أخرجه البخاري (٨ / ١٥٧ ـ ١٥٩) ومسلم (٢ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤) والطيالسي (١٤٣٣) وأبو داود (٤٥٩٨) والترمذي (٤ / ٨٠) وابن حبان (٧٢) والطبري في «تفسيره» (٦ / ١٩٢ ـ ١٩٣). وقال الترمذي : حسن صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٨ ـ ٩) وزاد نسبته لعبد بن حميد وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن حبان وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «الدلائل» من طرق عن عائشة.
(٥) في أ : شجرة.
(٦) سقط في أ.