يقولون : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) أي : قائلين على حال. وروي عن ابن عباس : أنه كان يقول في هذه الآية : أنا من الراسخين في العلم ، وعن مجاهد : أنا ممن يعلم تأويله.
وذهب الأكثرون إلى أن الواو في قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) واو الاستئناف ، فيكون مبتدأ ، وتم الكلام عند قوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) والجملة من قوله : «يقولون» خبر المبتدأ ، وهذا قول أبيّ بن كعب ، وعائشة ، وعروة بن الزبير ، ورواية طاوس عن ابن عباس وبه قال الحسن ، وأكثر التابعين ، واختاره الكسائي ، والفرّاء ، والأخفش ، وقالوا : لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، ويجوز أن يكون للقرآن تأويل استأثر الله بعلمه لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، كمااستأثر بعلم اسّاعة ، ووقت طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدّجّال ونزول عيسى ـ عليهالسلام ـ ونحوها ، والخلق متعبدون بالمتشابه ، والإيمان به ، وفي المحكم في الإيمان به والعمل ، ومما يصدّق ذلك قراءة عبد الله (١) : «إن تأويله إلا عند الله والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به ..» وفي حرف أبي : ويقول الراسخون في العلم آمنا به. قال عمر بن عبد العزيز ـ في هذه الآية ـ : انتهى علم الرّاسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا : آمنا به ، كل من عند ربنا.
وهذا القول أقيس في العربية وأشبه بظاهر الآية ، ويدل لهذا القول وجوه :
أحدها : أنه ذم طالب المتشابه بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ).
الثاني : أنه مدح الراسخين في العلم بأنهم (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ،) وقال [في أول البقرة](٢): (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٢٦] فهؤلاء الراسخون لو كانوا عالمين بتأويل المتشابه على التفصيل كان لهم في الإيمان به مدح ؛ لأن كل من عرف شيئا على سبيل التفصيل ، فلا بد وأن يؤمن به.
الثالث : لو كان قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) معطوفا لصار قوله : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) ابتداء ، وهو بعيد عن الفصاحة ، وكان الأولى أن يقال : وهم يقولون ، أو يقال : ويقولون.
فإن قيل : في تصحيحه وجهان :
الأول : أن «يقولون» خبر مبتدأ ، والتقدير : هؤلاء العالمون بالتأويل يقولون آمنا.
الثاني : أن يكون «يقولون» حالا من الراسخين.
فالجواب : أن الأول مدفوع بأن تفسير كلام الله تعالى بما لا يحتاج معه إلى الإضمار أولى ، والثاني أن ذا الحال هو الذي تقدم ذكره ـ وهو الراسخون ـ فوجب أن يكون قوله : (آمَنَّا بِهِ) حالا من الراسخين لا من «الله» وذلك ترك للظاهر.
__________________
(١) وقرأ بها ابن عباس فيما رواه طاوس عنه. ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٤٠٤ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٠١.
(٢) سقط في ب.