المعنوي ـ إذا كانت هي ظرفا ، أو حرف جر ، والعامل كذلك ، ومسألتنا في الآية الكريمة من هذا القبيل. وقد جيء في هذه الآيات بمبالغات كثيرة.
منها قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) يعني : أنه حق واجب عليهم لله في رقابهم ، لا ينفكون عن أدائه والخروج عن عهدته.
ومنها : أنه ذكر «النّاس» ، ثم أبدل منهم (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ،) وفيه ضربان من التأكيد.
أحدهما : أن الإبدال تثنية المراد وتكرير له.
والثاني : أن التفصيل بعد الإجمال ، والإيضاح بعد الإبهام ، إيراد له في صورتين مختلفتين ، قاله الزمخشري ، على عادة فصاحته ، وتلخيصه المعنى بأقرب لفظ ، والألف واللام في «البيت» للعهد ؛ لتقدم ذكره ، وهو أعلم بالغلبة كالثريا والصعيد. فإذا قيل : زار البيت ، لم يتبادر الذهن إلا إلى الكعبة شرفها الله.
وقال الشاعر : [الطويل]
١٥٤٢ ـ لعمري لأنت البيت أكرم أهله |
|
وأقعد في أفيائه بالأصائل (١) |
أنشد هذا البيت أبو حيان في هذا المعرض.
قال شهاب الدين (٢) : «وفيه نظر ، إذ ليس في الظاهر الكعبة».
الضمير في : «إليه» الظاهر عوده على الحجّ ؛ لأنه محدّث عنه.
قال الفراء : إن نويت الاستئناف ب «من» كانت شرطا ، وأسقط الجزاء لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير : من استطاع إلى الحج سبيلا ، فلله عليه حجّ البيت.
وقيل : يعود على «البيت» ، و «إليه» متعلق ب «استطاع» ، و «سبيلا» مفعول به ؛ لأن استطاع متعدّ ، ومنه قوله تعالى : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) [الأعراف : ١٩٧] ، إلى غير ذلك من الآيات.
فصل
قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ الاستطاعة بإزاء معنيين في القرآن :
الأول : سعة المال ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧] أي : سعة في المال ومنه قوله تعالى : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) [التوبة : ٤٢] أي : لو وجدنا سعة في المال.
الثاني : بمعنى الإطاقة ، قال تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) [النساء: ١٢٩] ، وقال : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦].
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ١٧٣.