دلّتكم على صحة صدق محمد ، والحال أن الله شهيد على أعمالكم ، ومجازيكم عليها؟ ثم لما أنكر [عليهم في ضلالهم ذكر ذلك الإنكار] عليهم في إضلالهم لضعفة المسلمين ، فقال : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ)؟
«لم» : متعلق بالفعل بعده ، و «من آمن» مفعوله والعامة على «تصدّون» ـ بفتح التاء ـ من صدّ يصدّ ـ ثلاثيا ـ ويستعمل لازما ومتعديا.
وقرأ الحسن (١) «تصدّون» ـ بضم التاء ـ من أصدّ ـ مثل أعد ـ ووجهه أن يكون عدى «صدّ» اللازم بالهمزة كقول ذي الرمة : [الطويل]
١٥٤٣ ـ أناس أصدّوا النّاس بالسّيف عنهم |
|
.......... (٢) |
قال الفراء : يقال : صددته ، أصدّه ، صدّا. وأصددته ، إصدادا.
وكان صدهم عن سبيل الله بإلقاء الشّبه في قلوب الضّعفة من المسلمين ، وكانوا ينكرون كون صفته في كتابهم.
قوله : (تَبْغُونَها) يجوز أن تكون جملة مستأنفة ، أخبر عنهم بذلك ـ وأن تكون في محل نصب على الحال ، وهو أظهر من الأول ؛ لأن الجملة الاستفهامية السابقة جيء بعدها بجملة حالية ـ أيضا ـ وهي قوله : (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ. وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ).
فتتفق الجملتان في انتصاب الحال عن كل منهما ، ثم إذا قلنا بأنها حال ، ففي صاحبها احتمالان :
أحدهما : أنه فاعل «تصدّون».
والثاني : أنه (سَبِيلِ اللهِ).
وإن جاز الوجهان لأن الجملة ـ اشتملت على ضمير كل منهما.
والضمير في (تَبْغُونَها) يعود على (سَبِيلِ) فالسبيل يذكّر ويؤنث كما تقدم ومن التأنيث هذه الآية ، وقوله : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) [يوسف : ١٠٨].
وقول الشاعر : [الوافر]
١٥٤٤ ـ فلا تبعد فكلّ فتى أناس |
|
سيصبح سالكا تلك السّبيلا (٣) |
__________________
(١) انظر : الشواذ ٢٨ ، والمحرر الوجيز ١ / ٤٨١ ، والبحر المحيط ٣ / ١٦ ، والدر المصون ٢ / ١٧٣.
(٢) هذا صدر بيت وتمامه :
صدود السواقي عن أنوف الحوائم
ينظر ديوانه ٢ / ٧١ ، واللسان (صدد) والبحر المحيط ٣ / ١٦ والدر المصون ٢ / ١٧٣.
(٣) ينظر زاد المسير ١ / ٤٢٩ ، ومجاز القرآن ١ / ٣١٩ والمذكر والمؤنث لابن الأنباري ١ / ٤٢٤ والبحر المحيط ٣ / ١٦ والدر المصون ٢ / ١٧٥.