قوله (عوجا) فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول به ، وذلك أن يراد ب «تبغون» تطلبون.
قال الزجّاج (١) والطبريّ : تطلبون لها اعوجاجا.
تقول العرب : ابغني كذا ـ بوصل الألف ـ أي : اطلبه لي ، وأبغني كذا ـ بقطع الألف ـ أي : أعنيّ على طلبه.
قال ابن الأنباري : البغي يقتصر له على مفعول واحد إذا لم يكن معه اللام ، كقولك : بغيت المال والأجر والثواب.
وههنا أريد يبغون لها عوجا ، فلما سقطت اللام عمل الفعل فيما بعدها ، كما قالوا وهبتك درهما ، يريدون وهبت لك ، ومثله : صدتك ظبيا ، أي : صدت لك.
قال الشاعر : [الخفيف]
١٥٤٥ ـ فتولّى غلامهم ثمّ نادى |
|
أظليما أصيدكم أم حمارا (٢) |
يريد : أصيد لكم ظليما؟
ومثله : «جنيتك كمأة وجنيتك طبّا» ، والأصل جنيت لك ، فحذف ونصب».
والثاني : أنه حال من فاعل «تبغونها» وذلك أن يراد ب «تبغون» معنى تتعدّون ، والبغي : التّعدّي.
والمعنى : تبغون عليها ، أو فيها.
قال الزجاج : كأنه قال تبغونها ضالين ، والعوج بالكسر ، والعوج بالفتح ـ الميل ، ولكن العرب فرّقوا بينهما ، فخصّوا المكسور بالمعاني ، والمفتوح بالأعيان تقول : في دينه وفي كلامه عوج ـ بالكسر ، وفي الجدار والقناة والشجر عوج ـ بالفتح.
قال أبو عبيدة : العوج ـ بالكسر. الميل في الدّين والكلام والعمل ، وبالفتح في الحائط والجذع.
وقال أبو إسحاق : الكسر فيما لا ترى له شخصا ، وبالفتح فيما له شخص.
وقال صاحب المجمل : بالفتح في كل منتصب كالحائط ، والعوج ـ يعني : بالكسر ـ ما كان في بساط ، أو دين ، أو أرض ، أو معاش ، فجعل الفرق بينهما بغير ما تقدم.
وقال الراغب (٣) : العوج : العطف من حال الانتصاب ، يقال : عجت البعير بزمامه ، وفلان ما يعوج به ـ أي : يرجع ، والعوج ـ يعني : بالفتح ـ يقال فيما يدرك بالبصر
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ١ / ٤٥٧.
(٢) ينظر مغني اللبيب ص ١ / ٢٢٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٩٦ والدر المصون ٢ / ١٦٤.
(٣) ينظر : المفردات ٣٥١.