سبحانه ـ نصب عليها دلائل يقينية ، أو ظنية ، فإن كانت يقينية فلا يكتفى فيها بالقياس
__________________
ـ وإذا لم يكن حجة لم يجب تحصيله ولا العلم به بل يحظران عند المخالفة كما لا يخفى.
«ويناقش الاستدلال المذكور» بمنع دلالة هذه الآيات على اشتمال القرآن الكريم على جميع الأحكام الشرعية تفصيلا لأنه خلاف الواقع وإلّا فأين في كتاب الله مسألة «الجد والإخوة» ومسألة «أنت عليّ حرام» وغيرها ، ولأنه يستلزم أن السنة لم تشتمل على أحكام سكت عنها القرآن الكريم وهو خلاف الواقع أيضا ، وإلا فأين في كتاب الله تعالى بيان عدد ركعات الصلاة ومقادير الزكاة وغير ذلك مما بينته السنة المطهرة.
«فإن قالوا» نحن نلتزم أن الكتاب مشتمل على جميع الأحكام إجمالا لكن التفاصيل مستفادة من السنة وحدها فيبقى القياس مستغنى عنه.
«قلنا» هذه دعوى لا دليل عليها وهي خلاف الواقع إذ ليس في السنة المطهرة مسألة الجد والإخوة ، ولا مسألة أنت علي حرام ولا نحوهما من المسائل التي اجتهد فيها الصحابة وغيرهم فكلّ من الكتاب والسنة قد يشتمل على الحكم بالذات وقد يشتمل عليه بالواسطة بأن يدل على حجية الأصل الدال عليه ، وقد دلّ الكتاب على حجية السنة ودل الكتاب والسنة على حجية الإجماع ، ودلت الثلاثة على حجية القياس. فالأحكام المستفادة من القياس مشتمل عليها الكتاب إجمالا بدلالته على حجية القياس ابتداء أو على حجية السنة الدالة على حجية القياس أو على حجية السنة الدالة على حجية الإجماع الدال على حجية القياس.
على أنا لا نسلم أن الآيتين الأولى والثانية واردتان في شأن القرآن الكريم بل في شأن اللوح المحفوظ كما قال المفسرون فهو مشتمل على أحوال جميع الكائنات ، ولا علم لنا تفصيلا إلا بما اشتمل الكتاب والسنة على تفصيله من هذه الأحوال وهو البعض فلا غنى لنا عن القياس لنستعلم به ما لم ينص الكتاب والسنة عليه.
ثانيا : منها قول الله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) وقوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) وقوله تعالى : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).
«وجه الاستدلال بهذه الآيات» أنها دلت بمنطوقها على وجوب الحكم بما أنزل الله ودلّت بمفهومها على تحريم الحكم بغير ما أنزل الله ، ولا شك أن القياس من غير ما أنزل الله فيكون الحكم به محرما. «ويناقش هذا» بأن ليس المراد بما أنزل الله نفس اللفظ الذي أنزله إذ لا شبهة في أن الحاكم إنما يحكم بمدلول اللفظ لا بنفس اللفظ ، وكل معنى حق مستفاد من اللفظ بالوضع أو الالتزام فهو مدلول ، فعلى هذا لا نسلم أن الحكم بالقياس حكم بغير ما أنزل الله بل هو حكم بما أنزل الله أي بمدلول ما أنزل الله وذلك من عدة أوجه :
«الأول» : أنه حكم بالقياس الذي أنزل الله ما يدل على حجيته من آيات التعليل وآيات التمثيل وغيرها.
«الثاني» : أنه حكم بالقياس المدلول على حجيته بالسنة التي أنزل الله ما يدل على حجيتها.
«الثالث» : أنه حكم بالقياس المدلول على حجيته بالإجماع المدلول على حجيته بالسنة التي أنزل الله ما يدل على حجيتها.
«الرابع» : أنه حكم بمقتضى العلة المستنبطة من النص الذي أنزله الله من كتاب أو سنة.
فعلى كل من هذه الأربعة يكون الحكم بالقياس حكما بما أنزل الله لأن الله عزوجل أنزل ما يدل عليه.
ويقرب من الآيات السابقة قول الله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) فإنه يدل على وجوب الرد إلى الكتاب والسنة فيفهم منه منع الرد إلى ما عداهما من قياس وغيره. وقول الله تعالى : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) فإنه يدل على ـ