وقال أبو أمامة : هم الحرورية بالشام (١).
وقال عبد الله بن شداد : وقف أبو أمامة ـ وأنا معه ـ على رؤوس الحرورية بالشام فقال : كلاب النار كانوا مؤمنين ، فكفروا بعد إيمانهم ، ثمّ قرأ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) الآية.
وروى عمر بن الخطاب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من سرّه بحبوحة الجنّة فعليه بالجماعة ؛ فإنّ الشّيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد» (٢).
وذكر الفعل في قوله : (وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) للفصل ولكونه غير حقيقيّ ؛ لأنه بمعنى : الدلائل.
وقيل : لجواز حذف علامة التأنيث من الفعل ـ إذا كان فعل المؤنث متقدّما.
والتفرق والافتراق واحد ، لما روى أبو برزة ـ في حديث بيع الفرس ـ ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا ، وإنّي لأراكما قد افترقتما» (٣) فجعل التفرّق والافتراق بمعنى واحد ، وهو أعلم بلغة الصحابة ، وبكلام النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
قال القرطبي : وأهل اللغة فرّقوا بين فرقت ـ مخففا ـ وفرّقت مشددا ، فجعلوه ـ بالتخفيف ـ في الكلام ، وبالتثقيل في الأبدان».
قال ثعلب : «أخبرني ابن الأعرابيّ ، قال : يقال : فرقت بين الكلامين ـ مخففا ـ فافترقا ، وفرّقت بين الاثنين بالتشديد فتفرقا». فجعل الافتراق في القول ، والتفرق في الأبدان ، وكلام أبي برزة يرد هذا.
وقال بعضهم : (تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) معناهما مختلف.
فقيل : تفرقوا بالعداوة ، واختلفوا في الدين.
وقيل : تفرقوا بسبب استخراج التأويلات الفاسدة لتلك النصوص ، واختلفوا في أن حاول كلّ واحد منهم نصرة مذهبه.
وقيل : تفرقوا بأبدانهم ـ بأن صار كل واحد من أولئك الأخيار رئيسا في بلد.
قوله : (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) يعني : بسبب تفرّقهم.
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٤ / ١٠٧).
(٢) أخرجه الترمذي (٤ / ٤٠٤) كتاب الفتن باب ما جاء في لزوم الجماعة (٢١٦٥) والحاكم (١ / ١١٤) والبغوي في «شرح السنة» (٥ / ٥٥٧) عن عمر بن الخطاب مرفوعا.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
(٣) أخرجه أبو داود ٢ / ٢٩٥ في البيوع (٣٤٥٧) وابن ماجه مختصرا ٢ / ٧٣٨ في التجارات (٢١٨٢).
ونقل الزيلعي في نصب الراية ٤ / ٣ قول المنذري في مختصره : ورجاله ثقات.