الثاني : أنها لا تعمل في «خير» مع زيادتها.
وفي الثاني نظر ، إذ الزيادة لا تنافي العمل ، لما تقدم عند قوله : «وما لنا الا تقاتل في سبيل الله»؟
الخامس : أنها على بابها ، والمراد : كنتم في علم الله ، أو في اللوح المحفوظ ، أو في الأمم السالفة ، مذكورين بأنكم خير أمة.
السادس : أن هذه الجملة متصلة بقوله : «ففي رحمة الله» ، أي : فيقال لهم يوم القيامة : «كنتم خير أمة» ، وهو بعيد جدّا.
قوله : (أُخْرِجَتْ) يجوز في هذه الجملة أن تكون في محلّ جرّ ؛ نعتا ل «أمة» ـ وهو الظاهر ـ وأن تكون في محل نصب ؛ نعتا ل «خير» ، وحينئذ يكون قد روعي لفظ الاسم الظاهر بعد وروده بعد ضمير الخطاب ، ولو روعي ضمير الخطاب لكان جائزا ـ أيضا ـ وذلك أنه إذا تقدم ضمير حاضر ـ متكلّما كان أو غائبا أو مخاطبا ـ ثم جاء بعده خبره اسما ظاهرا ، ثم جاء بعد ذلك الاسم الظاهر ما يصلح أن يكون وصفا له كان للعرب فيه طريقان :
أحدهما : مراعاة ذلك الضمير السابق ، فيطابقه بما في تلك الجملة الواقعة صفة للاسم الظاهر.
الثانية : مراعاة ذلك الاسم الظاهر ، فيبعد الضمير عليه منها غائبا ، وذلك كقولك : أنت رجل يأمر بالمعروف ، بالخطاب ، مراعاة ل «أنت» ، وبالغيبة ، مراعاة للفظ «رجل» ، وأنا امرؤ أقول الحق ـ بالمتكلم ؛ مراعاة ل «أنا» ويقول الحقّ ، مراعاة لامرىء ، وبالغيبة مراعة للفظ امرىء ، ومن مراعاة الضمير قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [النمل : ٥٥] ، وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) [النمل : ٤٧] ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّك امرؤ فيك جاهليّة» (١).
وقول الشاعر : [الطويل]
١٥٧٢ ـ وأنت امرؤ قد كثّأت لك لحية |
|
كأنّك منها قاعد في جوالق (٢) |
ولو قيل : ـ في الآية الكريمة ـ : أخرجتم ؛ مراعاة ل «كنتم» لكان جائزا ـ من حيث
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ٢٥) كتاب الإيمان باب المعاصي من أمر الجاهلية رقم (٣٠) وكتاب الأدب باب ما ينهى عنه من السباب رقم (٦٠٥٠) ومسلم كتاب الإيمان رقم (٣٨ ، ٣٩) والترمذي (١ / ٣٥٣) رقم (٢٨٧١) وأبو داود (٥١٥٨) وابن ماجه (٣٦٩٠) والبيهقي (٨ / ٧) وأحمد (٥ / ١٥٨ ، ١٦١) والبخاري في «الأدب المفرد» (١٨٩) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٣٣٩) عن أبي ذر الغفاري.
(٢) ينظر الممتع ١ / ٧٠ والمنصف ١ / ١٦٥ وأمالي القالي ٢ / ٧٩ واللسان (كثأ) والبحر ٣ / ٣١ والصحاح ١ / ٦٧ والدر المصون ٢ / ١٨٦.