اللفظ ـ ولكن لا يجوز أن يقرأ به ؛ لأن القراءة سنّة متّبعة ، فالأولى أن تجعل الجملة صفة ل «أمّة» ، لا ل «خير» ، لتناسب الخطاب في قوله : (تَأْمُرُونَ).
قوله : (لِلنَّاسِ) فيه أوجه :
أحدها : أن تتعلق ب (أُخْرِجَتْ) ومعناه : ما أخرج الله أمة خيرا من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وفي الحديث : «ألا وإنّ هذه الأمة توفّي سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى»(١).
الثاني : أنه متعلق ب «خير» أي : أنتم خير الناس للناس.
قال أبو هريرة : معناه : كنتم خير الناس للناس ؛ تجيئون بهم في السلاسل ، فتدخلونهم في الإسلام (٢).
وقال قتادة : هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم لم يؤمر نبيّ قبله بالقتال ، فهم يقاتلون الكفار ، فيدخلونهم في الإسلام (٣) ، فهم خير أمة للناس.
والفرق بينهما ـ من حيث المعنى ـ أنه لا يلزم أن يكونوا أفضل الأمم ـ في الوجه الثاني ـ من هذا اللفظ بل من موضع آخر.
الثالث : أنه متعلّق ـ من حيث المعنى ، لا من حيث الإعراب ، ب «تأمرون» على أن مجرورها مفعول به ، فلما تقدم ضعف العامل ، فقوّي بزيادة اللام ، كقوله : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] أي : إن كنتم تعبرون الرؤيا.
قوله : (تَأْمُرُونَ) في هذه الجملة أوجه :
الأول : أنها خبر ثان ل «كنتم» ، ويكون قد راعى الضمير المتقدم ـ في «كنتم» ، ولو راعى الخبر لقال : يأمرون ـ بالغيبة ، وقد تقدم تحقيقه.
الثاني : أنها في محل نصب على الحال ، قاله الراغب وابن عطية.
الثالث : أنها في محل نصب ؛ نعتا ل (خَيْرَ أُمَّةٍ) ، وأتى بالخطاب لما تقدم ، قاله الحوفي.
الرابع : أنها مستأنفة ، بيّن بها كونهم خير أمة ، كأنه قيل : السبب في كونكم خير الأمم هذه الخصال الحميدة ، والمقصود بيان علة تلك الخيرية ـ كقولك : زيد كريم ؛
__________________
(١) أخرجه أحمد (٣ / ٦١) والترمذي (٣٠٠١) والطبري في «تفسيره» (٧ / ١٠٤) والحاكم (٤ / ٨٤) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١١٤) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن معاوية بن حيدة.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(٢) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٨ / ١٦٩) والطبري في «تفسيره» (٧ / ١٠٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٣) وزاد نسبته للفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٣٤١.