المعجزة ، على وفق دعواه صادقا ؛ لأن المعجز قائم مقام التصديق بالقول ، فلما شاهد ظهور المعجز على وفق دعوى محمد صلىاللهعليهوسلم كان من ضرورة الإيمان بالله الإيمان بنبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم فكان الاقتصار على ذكر الإيمان بالله تنبيها على هذه الدقيقة.
قوله : (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) فيه وجهان :
أحدهما : لو آمن أهل الكتاب بهذا الذي حصلت به صفة الخيريّة لأتباع محمد صلىاللهعليهوسلم ، لحصلت هذه الخيرية ـ أيضا ـ لهم.
الثاني : أن أهل الكتاب إنما آثروا دينهم ، حبّا للرياسة ، واستتباع العوام ، ولو آمنوا لحصلت لهم الرياسة في الدنيا مع الثواب العظيم في الآخرة ، فكان ذلك خيرا مما قنعوا به.
قوله : (لَكانَ خَيْراً) اسم «كان» ضمير يعود على المصدر المدلول عليه بفعله ، والتقدير لكان الإيمان خيرا لهم كقولهم : «من كذب كان شرا له» أي : كان الكذب شرا له ، كقوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨].
وقول الشاعر : [الوافر]
١٥٧٣ ـ إذا نهي السّفية جرى إليه |
|
وخالف ، والسّفية إلى خلاف (١) |
أي : جرى إليه السفه.
والمفضل عليه محذوف ، أي : خيرا لهم من كفرهم ، وبقائهم على جهلهم.
وقال ابن عطية : ولفظة «خير» صيغة تفضيل ، ولا مشاركة بين كفرهم وإيمانهم في الخير ، وإنما جاز ذلك لما في لفظه «خير» من الشياع وتشعب الوجوه ، وكذلك هي لفظة «أفضل» ، و «أحب» وما جرى مجراها.
قال أبو حيان : «وإبقاؤها على موضوعها الأصلي أولى ـ إذا أمكن ذلك ـ وقد أمكن ذلك ؛ إذ الخيرية مطلقة ، فتحصل بأدنى مشاركة».
قوله : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) جملة مستأنفة ، سيقت للإخبار بذلك.
قال الزمخشريّ : «هما كلامان واردان على طريق الاستطراد ، عند إجراء ذكر أهل الكتاب ، كما يقول القائل ـ إذا ذكر فلانا ـ من شأنه كيت وكيت ـ ولذلك جاء من غير عاطف».
__________________
(١) البيت لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري ينظر خزانة الأدب ٣ / ٣٦٤ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، والخصائص ٣ / ٢٤٩ ، والدرر ١ / ٢١٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٢٤٤ ، ومجالس ثعلب ص ٧٥ ، والمحتسب ١ / ١٧٠ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٠٣ ، والإنصاف ١ / ١٤٠ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٧٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٥ ، والدر المصون ٢ / ١٨٧.