المرتبة ، لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار.
قوله : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) يعني : أن الذلة جعلت ملصقة بهم ، كالشيء الذي يضرب على الشيء فيلصق به ، ومنه قولهم : ما هذا عليّ بضربة لازب ومنه تسمية الخراج ضريبة. والذلة : هي الذل ، وفي المراد بها أقوال.
فقيل : إنها الجزية (١) ؛ وذلك ؛ لأن ضرب الجزية عليهم يوجب الذلة والصّغار.
وقيل : أن يحاربوا ، ويقتلوا ، وتقسّم أموالهم ، وتسبى ذراريهم ، وتملك أراضيهم ـ كقوله : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) [البقرة : ١٩١] ، ثم قال تعالى : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) والمراد : إلّا بعهد من الله ، وعصمة ، وذمام من الله ومن المؤمنين ؛ لأن عند ذلك تزول هذه الأحكام.
وقيل : إن المراد بها أنك لا ترى فيهم ملكا قاهرا ولا رئيسا معتبرا ، بل هم مستخفون في جميع البلاد ، ذليلون ، مهينون.
قوله : (أَيْنَ ما ثُقِفُوا)، «أينما» اسم شرط ، وهي ظرف مكان ، و «ما» مزيدة فيها ، ف «ثقفوا» في محل جزم بها ، وجواب الشرط إما محذوف ـ أي : أينما ثقفوا غلبوا وذلّوا ، دلّ عليه قوله : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ،) وإما نفس «ضربت» ، عند من يجيز تقديم جواب الشرط عليه ، ف (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) لا محل له ـ على الأول ، ومحله جزم على الثاني.
قوله : (إِلَّا بِحَبْلٍ) هذا الجار في محل نصب على الحال ، وهو استثناء مفرّغ من الأحوال العامة.
قال الزمخشري : «وهو استثناء من أعمّ عامّة الأحوال ، والمعنى : ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال ، إلا في حال اعتصامهم بحبل الله ، وحبل الناس ، فهو استثناء متصل».
قال الزجّاج والفرّاء : هو استثناء منقطع ، فقدره الفراء : إلا أن يعتصموا بحبل من الله ، فحذف ما يتعلق به الجار.
كقول حميد بن ثور الهلالي : [الطويل]
١٥٧٤ ـ رأتني بحبليها ، فصدّت مخافة |
|
وفي الحبل روعاء الفؤاد ، فروق (٢) |
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٥) وعزاه لابن المنذر عن الضحاك وأخرجه الطبري (٧ / ١١١) بنحوه عن الحسن وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٥) عن الحسن وقتادة وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٢) ينظر البيت في ديوانه (٢٥) وجامع البيان ٧ / ١١٣ ومفاتيح الغيب ٨ / ١٨٤ ومجمع البيان ٢ / ٦٧ ومعاني الفراء ١ / ٢٣٠ ، ٢ / ٢٨٨ واللسان (فرق) والبحر ٣ / ٣٣ والدر المصون ٢ / ١٨٨.