قوله : (فِيها صِرٌّ) في محل جر ، نعتا ل «ريح» ، ويجوز أن يكون (فِيها صِرٌّ) : جملة من مبتدأ وخبر ، ويجوز أن يكون «فيها» ـ وحده ـ هو الصفة ، و «صرّ» فاعل له ـ وجاز ذلك ؛ لاعتماد الجار على الموصوف ـ وهذا أحسن ؛ لأن الأصل في الأوصاف : الإفراد ، وهذا قريب منه.
والصّرّ : قال ابن عبّاس ، وقتادة ، والسّدّيّ ، وابن زيد ، وأكثر أهل اللغة : إنه البرد الشديد ، المحرق (١).
قال الشاعر : [البسيط]
١٥٧٨ ـ لا تعدلين أتاويّين تضربهم |
|
نكباء صرّ بأصحاب المحلّات (٢) |
وقيل : الصّرّ بمعنى : الصرصر ـ وهو البرد ـ.
قالت ليلى الأخيلية : [الطويل]
١٥٧٩ ـ ولم يغلب الخصم الألدّ ويملأ ال |
|
جفان سريعا يوم نكباء صرصر (٣) |
مأخوذ من الشد والتعقيد ، ومنه الصّرّة ـ للعقدة ـ وأصرّ على كذا : لزمه.
وقال أبو بكر الأصمّ ، وابن الأنباري : هي السّموم الحارّة.
وقال الزجاج : الصّرصر : صوت لهيب النار ـ في الريح ـ من صرّ الشيء ، يصرّ ، صريرا ـ أي : صوّت بهذا الحسّ المعروف ، ومنه صرير الباب ، والصرة : الصيحة ، قال تعالى : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) [الذاريات : ٢٩].
وروى ابن الأنباريّ ـ بإسناده ـ عن ابن عبّاس ، في قوله : (فِيها صِرٌّ) قال : فيها نار (٤). وعلى القولين ، فالمقصود من التشبيه حاصل ؛ لأنه ـ سواء كان بردا مهلكا ، أو حرّا محرقا ـ يبطل الحرث والزرع ، وإذا عرف هذا ، فإن قلنا : الصّرّ : البرد الشديد ، أو هو صوت النار ، أو هو صوت الريح ، فظرفيّة الريح له واضحة ، وإن كان الصّرّ صفة الريح ـ كالصرصر ـ فالمعنى : فيها قرّة صر ـ كما تقول : برد بارد ـ وحذف الموصوف ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٢٦) عن ابن عباس وقتادة والسدي والربيع بن أنس وابن زيد.
والأثر ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٧) عن ابن عباس. وزاد نسبته لسعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس.
(٢) ينظر المقاييس ١ / ٥٢ و ٥ / ٤٧٤ والمعاني الكبير ١ / ٣٧٤ وأساس البلاغة ص ١٣٩ والبحر ٣ / ٣٥ والكشاف ١ / ٤٥٦ واللسان (أتى) والدر المصون ٢ / ١٩٢.
(٣) ينظر البيت في الكشاف ١ / ٤٥٧ ورغبة الآمل ٦ / ١٨٤ و ٨ / ١٧٧ والبحر المحيط ٣ / ٣٥ والدر المصون ٢ / ١٩٢.
(٤) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٨ / ١٧١) وعزاه لابن الأنباري عن ابن عباس.
وذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٤١) بمعناه.