و «أنفسهم» مفعول مقدم ل «يظلمون» كما تقدم والجملة خبر لها.
وقد ردّ هذا بأن حذف اسم هذه الحروف لا يجوز إلا ضرورة.
كقوله : [الخفيف]
١٥٨١ ـ إنّ من يدخل الكنيسة يوما |
|
يلق فيها جآذرا وظباء (١) |
على أن بعضهم لا يقصره على الضرورة ، مستشهدا بقوله ـ عليهالسلام ـ : «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون».
قال : تقديره : إنه ، ويعزى هذا للكسائي (٢).
وقد ردّه بعضهم ، وخرّج الحديث على زيادة «من» والتقدير : إن أشد الناس.
والبصريون لا يجيزون زيادة «من» في مثل هذا التركيب لما تقدم وإنما يجيزها الأخفش.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(١١٨) (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا
__________________
(١) البيت للأخطل : ينظر خزانة الأدب ١ / ٤٥٧ ، الأشباه والنظائر ٨ / ٤٦ ، الكافية ١ / ١٠٣ ، ابن يعيش ٣ / ١٥٥ ، الهمع ١ / ١٣٦ ، ابن الشجري ١ / ٢٩٥ ، إيضاح شواهد الإيضاح ل ٢٢ ، المقرب لابن ١ / ١٠٩ ، ٢٧٧ ، الجمل للزجاجي ٢٢١ ، المغني ٣٧ ، ٥٨٩ (٤٥ ، ٣١٠) الدر اللوامع ١ / ١١٥ ، شرح الجمل لابن عصفور ١ / ٤٤٢ ، شرح أبياته لابن سيده ل ١٣٤ ، الحلل ٢٨٧ الفصول والجمل ١٩٣ ، ضرائر الشعر ١٧٨ ، شرح شواهد المغني ١ / ١٢٢ ، ٢ / ٩١٨ ، شرح أبياته ١ / ١٨٥ ، إيضاح شواهد الإيضاح ل ٢٢ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ١٨١ البسيط في شرح جمل الزجاجي ١ / ٤٣٥ ، ٢ / ٩١٣ والدر المصون ٢ / ١٩٣.
(٢) عند ذكر جملة من الجمل الاسمية أو الفعلية فقد يقدمون قبلها ضميرا يكون كناية عن تلك الجملة ، وتكون الجملة خبرا عن ذلك الضمير ، وتفسيرا له ، ويوحدون الضمير ؛ لأنهم يريدون الأمر والحديث ؛ لأن كل جملة شأن وحديث ، ولا يفعلون ذلك إلا في مواضع التفخيم والتعظيم ، وذلك قولك : هو زيد قائم ، فهو ضمير لم يتقدمه ظاهر ، وإنما هو ضمير الشأن والحديث ، وفسره ما بعده من الخبر ، وهو زيد قائم ، ولم تأت في هذه الجملة بعائد إلى المبتدأ ؛ لأنها هو في المعنى ، ولذلك كانت مفسرة له ويسميه الكوفيون الضمير المجهول ؛ لأنه لم يتقدمه ما يعود عليه ، ويجيء هذا الضمير مع العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر ، نحو أن وأخواتها ، وظننت وأخواتها ، وكان وأخواتها وتعمل فيه هذه العوامل كإنّ المكسورة المشددة وتكون حرف توكيد وتنصب الاسم وترفع الخبر ، وقد تنصبهما في لغة ، وقد يرتفع بعدها المبتدأ فيكون اسمها ضمير شأن ، فإنه لا يحسن حذفه إلا في ضرورة ؛ كما قاله الأعلم في «شرح أبيات الجمل» وابن عصفور في كتاب ـ الضرائر ـ بشرط ألا يؤدي حذفه إلى أن يلي إن وأخواتها فعل كما في البيت الشاهد فتقديره : إنه من يدخل الكنيسة ، وإنما لم تجعل ـ من ـ اسمها لأنها شرطية بدليل جزمها الفعلين والشرط له المصدر فلا يعمل فيه ما قبله ، فوجب أن تكون ـ من ـ مبتدأ.
ينظر المصادر السابقة لتخريج البيت.