ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف ، وتحضّه عليه ، وبطانة تأمره بالشّر ، وتحضّه عليه ، فالمعصوم من عصم الله تعالى» (١).
وروى أنس بن مالك قال : قال صلىاللهعليهوسلم : «لا تستضيئوا بنار المشركين ، ولا تنقشوا في خواتيمكم غريبا» (٢).
وفسره الحسن بن أبي الحسن ، فقال : أراد صلىاللهعليهوسلم لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم ، ولا تنقشوا في خواتيمكم محمدا.
قال الحسن : وتصديق ذلك في كتاب الله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) الآية (٣).
العلة الثالثة : قوله : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ) هذه الجملة كالتي قبلها ، وقرأ عبد الله «بدا» ـ من غير تاء (٤) ـ لأن الفاعل مؤنّث مجازيّ ؛ ولأنها في معنى البغض ، والبغضاء : مصدر ـ كالسراء والضراء ـ يقال منه : بغض الرجل ، فهو بغيض ، كظرف فهو ظريف.
قوله : (مِنْ أَفْواهِهِمْ) متعلق ب «بدت» و «من» لابتداء الغاية ، وجوّز أبو البقاء أن يكون حالا ، أي : خارجة من أفواههم ، والأفواه : جمع فم ، وأصله فوه ، فلامه هاء ، يدل على ذلك جمعه على أفواه ، وتصغيره على «فويه» ، والنسب إليه على فوهي ، وهل وزنه فعل ـ بسكون العين ـ أو «فعل» ـ بفتح العين ـ؟ خلاف للنحويين ، ثم حذفوا لامه تخفيفا ، فبقي آخره حرف علة ، فأبدلوه ميما ؛ لقربه منها ؛ لأنهما من الشفة ، وفي الميم هويّ في الفم يضارع المد الذي في الواو.
وهذا كله إذا أفردوه عن الإضافة ، فإن أضافوه لم يبدلوا حرف العلة.
كقوله : [البسيط]
١٥٨٨ ـ فوه كشقّ العصا لأيا تبيّنه |
|
أسكّ ما يسمع الأصوات مصلوم (٥) |
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٣ / ٢٠١) كتاب الأحكام : باب بطانة الإمام (٧١٩٨) والنسائي (٧ / ١٥٨) كتاب الزيتة باب بطانة الإمام (٤٢٠٢) وأحمد (٣ (٩٣) والبيهقي (١٠ / ١١١) والبغوي في «شرح السنة» (١٠ / ١١١).
(٢) أخرجه النسائي (٨ / ١٧٦ ـ ١٧٧) رقم (٥٢٠٩) والطبري في «تفسيره» (٧ / ١٤٢) والبيهقي (١٠ / ١٢٧) وفي «شعب الإيمان» (٩٣٧٥) والبخاري في «التاريخ الكبير» (١ / ٤٥٥) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٢٥٢) من طرق عن أزهر بن راشد عن أنس بن مالك مرفوعا والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد وأبي يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) تفسير الحسن أخرجه مسدد في «مسنده» كما في «المطالب العالية» (٢ / ٢٧٨) رقم (٢٢٢٣) عن أزهر بن راشد عن أنس.
(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٤٩٧ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٢ ، والدر المصون ٢ / ١٩٥.
(٥) البيت لعلقمة بن عبدة الفحل ينظر ديوانه (٥٩) وشرح الجمل ٢ / ٣٨٧ والدر المصون ٢ / ١٩٥.